هذه الآية: قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ ٦٠
«١» . وقد أخبر الله تعالى به، ثم آتى يحيى بن زكريا الحكمة. وقال تعالى: وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا
«٢» .
وقال تعالى: إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ
«٣» . وقال تعالى: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ
«٤» . وقال تعالى:
وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ
«٥» .
وقال أنس رضي الله تعالى عنه: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء. وقد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد على جميع الأنصار وكبار المهاجرين على حداثة سنه، وعتاب بن أسيد ولّاه مكة وبها أكابر قريش، وعبد الله بن عباس على جلالة قدره وحفظه من العلم.
وقال بعض البلغاء: الشباب باكورة الحياة، وأطيب العيش أوائله كما أن أطيب الثمار بواكيرها. والشباب أبلغ الشفعاء عند النساء وأكثر الوسائل لقلوبهن. ولذلك قال الشاعر:
أحلى الرجال مع النساء مواقعا ... من كان أشبههم بهنّ خدودا
وما بكت العرب على شيء ما بكت على الشباب، ولو لم يكن هذا الشباب حميدا وزمانه حبيبا لوسامة صورته وبهجة منظره وجمال خلقته واعتدال قامته لما جاور الله في جنات خلده الشباب، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جردا مردا أبناء ثلاثين» . وقد جاء في ذلك أشياء كثيرة ليس هذا موضع بسطها.
[الفصل الثاني في الشيب وفضله]
أول من شاب سيدنا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام. وفي الخبر أن الله تعالى يقول: «الشيب نوري وأنا أستحي أن أحرقه بناري» . وعن جعفر بن محمد، عن أبيه قال: جاء رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيخ وشاب، فتكلم الشاب قبل أن يتكلم الشيخ، فقال عليه الصلاة والسلام:
«كبّر كبّر» . وبهذه الرواية: من وقر كبيرا لكبر سنه آمنه الله من فزع يوم القيامة.
وعن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يقول الله تعالى تعالى وعزتي وجلالي وفاقة خلقي إليّ أني لأستحي من عبدي وأمتي يشيبان في الإسلام أن أعذبهما» .
ثم بكى، فقيل له: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: أبكي ممن يستحي الله منه وهو لا يستحي من الله. وقال: من بلغ ثمانين من هذه الأمة حرمه الله على النار. وقال: إذا بلغ المؤمن ثمانين سنة فإنه أسير الله في الأرض تكتب له الحسنات وتمحى عنه السيئات.
وقيل: كان الرجل فيمن كان قبلكم لا يحتلم حتى يبلغ ثمانين سنة. وقال ابن وهب: إن أصغر من مات من ولد آدم ابن مائتي سنة، فبكته الانس والجن لحداثة سنه. وقال النخعي: كان يقال إذا بلغ الرجل أربعين سنة على خلق لم يتغير عنه حتى يموت. وعن ابن عباس رضي الله عنهما رفعه: «من أتى عليه أربعون سنة ثم لم يغلب خيره على شره فليتجهز إلى النار» . وعن أنس رضي الله عنه قال: قال ملك الموت لنوح عليه الصلاة والسلام، يا أطول النبيين عمرا كيف وجدت الدنيا ولذتها؟ قال: كرجل دخل في بيت له بابان، فقام وسط البيت ساعة ثم خرج من الباب الثاني. ويقال: أطع أكبر منك ولو بليلة. وقال عبد العزيز بن مروان: من لم يتعظ بثلاث لم ينته بشيء:
الإسلام، والقرآن، والشيب.
قال الشاعر:
يا عامر الدنيا على شيبه ... فيك أعاجيب لمن يجب
ما عذر من يعمر بنيانه ... وعمره منهدم يخرب
وقال الشعبي: الشيب علة لا يعاد منها ومصيبة لا يعزى عليها، وقال الفرزدق:
ويقول كيف يميل مثلك للظبا ... وعليك من عظم المشيب عذار
والشيب ينقص في الشباب كأنّه ... ليل يصيح بعارضيه نهار
وقال أبو دلف في بياض اللحية:
تكوّنني همّ لبيضاء نابته ... لها بغضة في مضمر القلب ثابته
ومن عجب أنّي إذا رمت قصّها ... قصصت سواها وهي تضحك نابته