وقال علي رضي الله تعالى عنه: ما المبتلي الذي اشتد به البلاء بأحوج إلى الدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء.
وقيل: إن فأرة البيوت رأت فأرة الصحراء في شدة ومحنة، فقالت لها: ما تصنعين ههنا؟ اذهبي معي إلى البيوت التي فيها أنواع النعيم والخصب، فذهبت معها وإذا صاحب البيت الذي كانت تسكنه قد هيأ لها الرصد لبنة تحتها شحمة، فاقتحمت لتأخذ الشحمة فوقعت عليها اللبنة فحطمتها، فهربت الفأرة البرية وهزت رأسها متعجبة وقالت: أرى نعمة كثيرة وبلاء شديدا إلا وإن الفقر والعافية أحب إليّ من غنى يكون فيه الموت، ثم فرت إلى البرية.
وكان عند رومي خنزير فربطه إلى أسطوانة ووضع العلف بين يديه ليسمنه، وكان بجنبه أتان لها جحش، وكان ذلك الجحش يلتقط من العلف ما يتناثر، فقال لأمه: يا أماه ما أطيب هذا العلف لو دام. فقالت له: يا بني لا تقربه، فإن وراءه الطامة الكبرى «١» ، فلما أراد الرومي أن يذبح الخنزير ووضع السكين على حلقه جعل يضرب وينفخ، فهرب الجحش وأتى إلى أمه، وأخرج لها أسنانه وقال: ويحك يا أماه أنظري هل بقي في خلال أسناني شيء من ذلك العلف فاقلعيه. فما أحسن القنع مع السلامة، والله أعلم بالصواب.
[الفصل الرابع في أخبار المعمرين في الجاهلية والإسلام]
قال الحسن رضي الله تعالى عنه: أفضل الناس ثوابا يوم القيامة المؤمن المعمر. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بخياركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: أطولكم أعمارا في الإسلام إذا سدّدوا» .
وزعموا أن تبعا الفزازي كان من المعمرين، وأنه دخل على بعض خلفاء بني أمية، فسأله عن عمره، فقال: عشت أربعمائة وعشرين سنة في فترة عيسى بن مريم عليه السلام في الجاهلية، وستين في الإسلام. قال له: أخبرني عما رأيت في سالف عمرك قال: رأيت الدنيا ليلة في أثر ليلة ويوما في أثر يوم، ورأيت الناس بين جامع مال مفرق ومفرق مال مجموع، وبين قوي يظلم وضعيف يظلم، وصغير يكبر وكبير يهرم، وحي يموت وجنين يولد، وكلهم بين مسرور بموجود ومحزون بمفقود. وقد قال ابن الجوزي: إن آدم عليه السلام عاش ألف سنة، وعاش ابنه شيث تسعمائة سنة، وعاش ابنه مهلاييل ثمانمائة وخمسا وتسعين سنة، وعاش ابنه إدريس ثلاثمائة وخمسا وتسعين سنة، وعاش ابنه هود تسعمائة واثنتين وستين سنة، وعاش ابنه متوشلخ تسعمائة وستين سنة، وأما ابنه نوح عليه السلام، فروي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: عاش نوح عليه السلام ألفا وأربعمائة وخمسين عاما.
وأما الخضر عليه السلام واسمه خضرون فهو أطول بني آدم عمرا.
وذكر أن لقمان عليه السلام عاش ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة. وكانت العرب لا تعد من الأعمار إلا ما بلغ مائة وعشرون سنة فما فوقها. وعاش أكثم بن صيفي ثلاثمائة وستين سنة وأدرك الإسلام، وعاش سطيح سبعمائة سنة، وعاش قس بن ساعدة الأيادي سبعمائة سنة، وكان من حكماء العرب. وعاش لبيد بن ربيعة الشاعر مائة وعشرين سنة، وأدرك الإسلام. وعاش دريد بن الصمة مائة وسبعين سنة حتى سقط حاجباه على عينيه وأدرك الإسلام ولم يسلم.
ومن المعمرين عدي بن حاتم الطائي وزهير بن جنادة عاشا مائتين وعشرين سنة. ومن المعمرين ذو الأصابع العذري عاش مائتين وعشرين سنة، وهو أحد حكماء العرب في الجاهلية. ومن المعمرين: عمرو بن معديكرب الزبيدي، ومن المعمرين: عبد المسيح بن نفيلة عاش ثلاثمائة وعشرين سنة وأدرك الإسلام، وقد رأيت رجلا من أهل محلة مسير بالغربية، وذكر أنه بلغ من العمر مائة وأربعين سنة، وإن امرأته بلغت من العمر كذلك، ولقد رأيت منه ما لم أر من بعض شبان هذا العصر في القوة وشدة البأس، ورأيت له ولدا شيخا هو أشد قوة من ولده، وذلك في صفر سنة تسع وعشرين وثمانمائة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
الباب التاسع والأربعون في الأسماء والكنى والألقاب وما استحسن منها
فأشرف الأسماء وأعظمها بسم الله الرحمن الرحيم قال الله تعالى: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا
«٢» .