وكان عبد الله بن عبيدة الريحاني يهوى جارية، فزارته يوما، فأقام يحدثها ويشكو إليها ألم الفراق، فحان وقت الظهر، فناداه إنسان الصلاة يا أبا الحسن، فقال له:
رويدك حتى تزول الشمس أي حتى تقوم الجارية.
وقالت ليلى العامرية في قيسها:
لم يكن المجنون في حالة ... إلا وقد كنت كما كانا
لكنه باح بسرّ الهوى ... وإنّني قد ذبت كتمانا
وقال أحمد بن عثمان الكاتب:
وإنّي ليرضيني الممر ببابها ... وأقنع منها بالشتيمة والزجر
وقال الفتح بن خاقان صاحب المتوكل:
أيّها العاشق المعذّب صبرا ... فخطايا أخي الهوى مغفورة
زفرة في الهوى أحط لذنب ... من غزاة وحجّة مبرورة
وقال عمر بن أبي ربيعة: كنت بين امرأتين هذه تساررني وهذه تعضني فما شعرت بعضة هذه من لذة هذه، وأنشد شيبان العذري يقول:
لو حزّ بالسيف رأسي في محبّتها ... لطار يهوي سريعا نحوها رأسي
وقال يحيى بن معاذ الرازي: لو أمرني الله أن أقسم العذاب بين الخلق ما قسمت للعاشقين عذابا.
[الفصل الثاني من هذا الباب فيمن عشق وعف والافتخار بالعفاف]
روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عشق فعف، فمات، فهو شهيد، وقال صلى الله عليه وسلم: عفوا تعف نساؤكم.
وقال بعضهم: رأيت امرأة مستقبلة البيت في غاية الضعف والنحافة رافعة يديها تدعو، فقلت لها: هل من حاجة؟ فقالت: حاجتي أن تنادي في الموقف بقولي:
تزوّد كلّ الناس زادا يقيهم ... ومالي زاد والسلام على نفسي
فناديت كما أمرتني، وإذا بفتى نحيل الجسم قد أقبل إليّ، فقال: أنا الزاد، فمضيت به إليها، فما زاد على النظر والبكاء، ثم قالت له: انصرف بسلام، فقلت: ما علمت أن لقاء كما يقتصر على هذا، فقالت: أمسك يا هذا، أما علمت أن ركوب العار ودخول النار شديد؟
قال إبراهيم بن محمد المهلبي:
كم قد ظفرت بمن أهوى فيمنعني ... منه الحياء وخوف الله والحذر
وكم خلوت بمن أهوى فيقنعني ... منه الفكاهة والتأنيس والنظر
أهوى الملاح وأهوى أن أجالسهم ... وليس لي في حرام منهم وطر «١»
كذلك الحبّ لا إتيان معصية ... لا خير في لذّة من بعدها سقر «٢»
وقال بعض بني كلب:
إن أكن طامح اللحاظ «٣» فإنّي ... والذي يملك الفؤاد عفيف
ونحو ذلك قول القائل:
فقالت بحق الله إلّا أتيتنا ... إذا كان لون الليل شبه الطيالس
فجئت وما في القوم يقظان غيرها ... وقد نام عنها كل واش وحارس
فبتنا بليل طيّب نستلذه ... جميعا ولم أقلب لها كفّ لامس
ونزل رجل على صديق له مستترا خائفا من عدو له، فأنزله في منزله وتركه فيه، وسافر لبعض حوائجه، وقال لامرأته: أوصيك بضيفي هذا خيرا، فلما عاد بعد شهر قال لها: كيف ضيفنا: قالت: ما أشغله بالعمى عن كل شيء، وكان الضيف قد أطبق عينيه، فلم ينظر إلى امرأة صاحبه ولا إلى منزله إلى أن عاد من سفره.
وكان عمر بن أبي ربيعة عفيفا يصف ويعف ويحوم ولا يرد.
ودخلت بثينة على عبد الملك بن مروان، فقال لها يا بثينة: ما أرى فيك شيئا مما كان يقوله جميل، فقالت:
يا أمير المؤمنين، إنه كان يرنو إليّ بعينين ليستا في رأسك،