وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشتري غلاما فألقى بين يديه تمرا فأكل فأكثر فقال صلى الله عليه وسلم:
إن كثرة الأكل شؤم. وقالوا: الوحدة خير من الجليس السوء، والجليس السوء خير من الأكيل السوء. وشكا أبو العيناء إلى صديق له سوء الحال، فقال: أشكر، فإن الله قد رزقك الإسلام والعافية، قال: أجل، ولكن بينهما جوع يقلقل الكبد.
ودعت أبا الحارث حبيبة له، فحادثته ساعة، فجاع فطلب الأكل فقالت له: أمّا في وجهي ما يشغلك عن الأكل، قال: جعلت فداءك لو أن جميلا وبثينة قعدا ساعة لا يأكلان لبصق كل منهما في وجه صاحبه وافترقا.
[وأما أخبار الأكلة]
فقد قيل إن وهب بن جرير سأل ميسرة البراش عن أعجب ما أكل، فقال: أكلت مائة رغيف بمكوك بلح.
ومرّ ميسرة المذكور يوما بقوم وهو راكب حمارا، فدعوه للضيافة، فذبحوا له حماره وطبخوه، وقدموه له، فأكله كله، فلما أصبح طلب حماره ليركبه، فقيل له: هو في بطنك.
وقال المعتمر بن سليمان: قلت لهلال المازني: ما أكلة بلغتني عنك، قال: جعت مرة ومعي بعير لي، فنحرته وشويته وأكلته، ولم أبق منه إلا شيئا يسيرا حملته على ظهري، فلما كان الليل أردت أن أجامع أمة لي، فلم أقدر أن أصل إليها، فقالت كيف تصل إليّ وبيننا جمل، فقلت له: كم تكفيك هذه الأكلة، فقال: أربعة أيام.
وقال الأصمعي أن سليمان بن عبد الملك كان شرها نهما وكان من شرهه أنه إذا أتى بالسفود وعليه الدجاج السمين المشوي لا يصبر إلى أن يبرد، ولا أن يؤتى بمنديل، فيأخذ بكمه، فيأكل واحدة واحدة حتى يأتي عليها، فقال الرشيد: ويحك يا أصمعي ما أعلمك بأخبار الناس إني عرضت على جباب سليمان، فرأيت فيها آثار الدهن، فظننته طيبا حتى حدثتني، ثم أمر لي بجبة منها، فكنت إذا لبستها أقول هذه جبة سليمان بن عبد الملك.
وقال الشمردل وكيل عمرو بن العاص: قدم سليمان بن عبد الملك الطائف، فدخل هو وعمر بن عبد العزيز إليّ، وقال: يا شمردل: ما عندك ما تطعمني؟ قلت: عندي جدي كأعظم ما يكون سمنا، قال: عجّل به فأتيته به كأنه عكة سمن «١» ، فجعل يأكل منه ولا يدعو عمر حتى إذا لم يبق منه إلا فخذا قال: هلم يا أبا جعفر، فقال: إني صائم فأكله، ثم قال: يا شمردل: ويلك أما عندك شيء؟ قلت:
ست دجاجات كأنهن أفخاذ نعام، فأتيته بهن فأتى عليهن، ثم قال: يا شمردل أما عندك شيء؟ قلت: سويق كأنه قراضة الذهب، فأتيته به، فعبه حتى أتى عليه، ثم قال يا غلام: أفرغت من غذائنا؟ قال: نعم. قال: ما هو؟
قال: نيف وثلاثون قدرا، قال: ائتني بقدر قدر، فأتاه بها ومعه الرقاق، فأكل من كل قدر ثلثه، ثم مسح يده واستلقى على فراشه وأذن للناس فدخلوا، وصف الخوان، فقعد وأكل مع الناس. وكان هلال بن الأسعر يضع القمع على فيه ويصب اللبن أو النبيذ، وكان غليظا عتلا «٢» . وقال أعرابي لرجل رآه سمينا: أرى عليك قطيفة من نسج أضراسك.
وقال المحمر الأعرابي: كانت لي بنت تجلس على المائدة فتبرز كفّا كأنها صلفة «٣» في ذراع كأنه جمارة «٤» ، فلا تقع عينها على لقمة نفيسة إلا خصتني بها، فكبرت وزوجتها، وصرت أجلس على المائدة مع ابن لي فيبرز كفا كأنها كرنافة «٥» ، فوالله لن تسبق عيني إلى لقمة طيبة إلا سبقت يده إليها.
وقال مسلم بن قتيبة: عددت للحاج أربعة وثمانين رغيفا مع كل رغيف سمكة. ويقال: فلان يحاكي حوت يونس في جودة الالتقام، وعصا موسى في سرعة الالتهام.
وقيل لأبي مرة: أي الطعام أحب إليك؟ قال: لحم سمين وخبز سميد أضرب فيه ضرب ولي السوء في مال اليتيم. وقال صدقة بن عبيد المازني: أولم لي أبي لما تزوجت، فعمل عشر جفان ثريد من جزور، فكان أول من جاءنا هلال المازني، فقدمنا له جفنة مترعة، فأكلها، ثم أخرى، فأكلها، حتى أتى على الجميع، ثم أتى بقربة مملوءة من النبيذ، فوضع طرفها في شدقه وفرغها في جوفه، ثم قام فخرج واستأنفنا عمل الطعام. وكان عبيد الله بن زياد يأكل في كل يوم خمس أكلات، فخرج يوما يريد الكوفة، فقال له رجل من بني شيبان: الغداء أصلح الله الأمير، فنزل، فذبح له عشرين طائرا من الأوز، فأكلها، ثم قدم الطعام، فأكل، ثم أتي بزنبيلين في أحدهما تين، وفي الآخر بيض، فجعل يأكل من هذا تينة، ومن