صدقت. هي والله أمتي إبتعتها بمالي ورزقي يجري عليها في كل شهر، وكسوة شتائها وصيفها من عندي سيرتها، وأمرتها أن تدخل منازلكم وتحجمكم وتتعرف أحوالكم وأخباركم، ثم قال لها: أتعرفين فلانا البقال؟ قالت: نعم يا أمير المؤمنين هو في بني فلان، قال: صدقت هو والله غلامي دفعت إليه مالا، وأمرته أن يبتاع به ما يحتاج إليه من الأمتعة، وأخبرني أن أمة لكم يوم كذا وكذا جاءت إليه بعد صلاة المغرب تسأله حناء، وحوائج، فقال لها: ما تصنعين بهذا؟ قالت: كان محمد بن عبد الله بن الحسن في بعض الضياع بناحية البقيع، وهو يدخل الليلة، وأردنا هذا ليتخذ النساء ما يحتحن إليه عند دخول أزواجهن من المغيب. فلما سمعت الجارية هذا الكلام من المنصور ارتعدت من شدة الخوف، وأذعنت له بالحديث وحدثته بكل ما أراد. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
[الباب الثاني والستون في ذكر الدواب والوحوش والطير والهوام والحشرات وما أشبه ذلك مرتبا على حروف المعجم]
[(حرف الهمزة) :]
[(الأسد)]
من السباع، والأنثى أسدة، وله أسماء كثيرة، فمن أشهرها: أسامة، والحرث، وقسورة، والغضنفر، وحيدرة، والليث، والضرغام. ومن كناه: أبو الأبطال، وأبو شبل، وأبو العباس، وهو أنواع. منها ما وجهه وجه إنسان، وشكل جسده كالبقر، وله قرون سود نحو شبر، ومنها ما هو أحمر كالعناب وغير ذلك، وتلده أمه قطعة لحم، وتستمر تحرسه ثلاثة أيام، ثم يأتي أبوه فينفخ فيه، فتنفرج أعضاؤه وتتشكل صورته، ثم ترضعه، وتستمر عيناه مغلوقة سبعة أيام، ثم تفتتح ويقيم على تلك الحالة بين أبيه وأمه إلى ستة أشهر، ثم يتكلف الكسب بعد ذلك وله صبر على الجوع والعطش وعنده شرف نفس يقال أنه لا يعاود فريسته، ولا يأكل من فريسة غيره، ولا يشرب من ماء ولغ فيه كلب وفي ذلك يقول بعضهم:
سأترك حبّكم من غير بغض ... وذاك لكثرة الشركاء فيه
إذا وقع الذباب على طعام ... رفعت يدي ونفسي تشتهيه
وتجتنب الأسود ورود ماء ... إذا كان الكلاب يلغن فيه
وإذا أكل نهش نهشا، وريقه قليل جدا، ولذلك يوصف بالبخر «١» ، وعنده شجاعة وجبن وكرم، فمن شجاعته الإقدام على الأمور، وعدم الإكتراث بالغير، ومن جبنه:
أنه يفر من صوت الديك والسنور، والطست، ويتحير عند رؤية النار. ومن كرمه: أنه لا يقرب المرأة خصوصا إذا كانت حائضا. وقيل: أربع عيون تضيء بالليل، عين الأسد، وعين النمر، وعين السنور، وعين الأفعى.
وروي أنه لما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ١
«٢» قال عتبة بن أبي لهب: كفرت برب النجم يعني نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم سلّط عليه كلبا من كلابك ينهشه، فخرج مع أصحابه في عير «٣» إلى الشام حتى إذا كانوا بمكان يقال له الزرقاء، زأر الأسد، فجعلت فرائصه ترتعد، فقالوا له: من أي شيء ترتعد فرائصك، فو الله ما نحن وأنت إلا سواء؟ فقال: إن محمدا دعا عليّ:
وو الله ما أظلّت السماء من ذي لهجة أصدق من محمد. ثم وضعوا العشاء، فلم يدخل يده فيه، ثم جاء النوم، فحاطوا أنفسهم بمتاعهم، وجعلوه بينهم، وناموا، فجاء الأسد يتهمس وشمهم رجلا رجلا حتى انتهى إليه، فضغطه ضغطة كانت إياها، فسمع وهو بآخر رمق يقول: ألم أقل لكم إن محمدا أصدق الناس.
ولبعضهم في الأسد:
عبوس شموس مصلخد مكابد ... جريء على الأقران للقرن قاهر «٤»
براثنه شثن وعيناه في الدجى ... كجمر الغضى في وجهه الشرّ ظاهر «٥»