فصدت وسلمت فأينا أشأم صباحا على صاحبه؟ فضحك منه وأمر له بصلة.
وحكي أيضا أن صاحب قرطبة أصابه وجع فأمر بعض جواريه أن تغنيه ليلهو عن وجهه فقالت:
هذي الليالي علمنا أن ستطوينا ... فشعشعينا بماء المزن واستقينا
قال: فتطير من ذلك وأمرها بالانصراف ولم يقم بعد ذلك غير خمسة أيام ومات.
وحكي: أن نور الدين محمودا وهمام الدين ركبا في يوم عيد وخرجا للتفرج، فتجاولا في الكلام ثم قال محمودا:
يا من درى هل نعيش إلى مثل هذا اليوم؟ فقال له همام الدين: قل هل نعيش إلى آخر هذا الشهر، فإن العام كثير.
قال: فأجرى الله على منطقهما ما كان مقدرا في الأزل فمات أحدهما قبل تمام الشهر ومات الآخر قبل تمام العام.
[وأما الفراسة:]
فقد قال الله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ ٧٥
«١» . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله» . وقال علي رضي الله تعالى عنه: ما أضمر أحد شيئا إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه. وقيل: أشار ابن عباس رضي الله تعالى عنهما على علي رضي الله تعالى عنه بشيء فلم يعمل به، ثم ندم فقال: يرحم الله ابن عباس كأنما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق.
وحكى أبو سعيد الخراز أنه كان في الحرم فقير ليس عليه إلا ما يستر عورته فأنفت نفسي منه، فتفرس ذلك مني فقرأ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ
«٢» فندمت واستغفرت الله في قلبي فتفرس ذلك أيضا فقرأ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ
«٣» .
وحكي عن الشافعي ومحمد بن الحسن أنهما رأيا رجلا فقال أحدهما: إنه نجار وقال الآخر: إنه حداد، فسألاه عن صنعته فقال: كنت حدادا وأنا الآن نجار.
وحكي أن شخصا من أهل القرآن سأل بعض العلماء مسألة فقال له: إجلس فإني أشم من كلامك رائحة الكفر، فاتفق بعد ذلك أنه سافر السائل فوصل إلى القسطنطينية فدخل في دين النصرانية قال من رآه: ولقد رأيته متكئا على دكة وبيده مروحة يروح بها عليه، فقلت:
السلام عليكم يا فلان، فسلم علي وتعارفنا ثم قلت له بعد ذلك: هل القرآن باق على حاله أم لا؟ فقال: لا أذكر منه إلا آية واحدة وهي قوله تعالى: رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ ٢
«٤» . قال: فبكيت عليه وتركته وانصرفت.
وكان الحسن بن السقاء من موالي بني سليم ولم يكن في الأرض أحزر منه، كان ينظر إلى السفينة فيحزر ما فيها فلا يخطىء وكان حزره للمكيول والموزون والمعدود سواء. كان يقول في هذه الرمانة كذا وكذا حبة وزنتها كذا وكذا ويأخذ العود الآس فيقول فيه كذا وكذا ورقة فلا يخطىء.
وقالوا: إذا رأيت الرجل يخرج بالغداة ويقول لشيء وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى
«٥» فاعلم أن في جواره وليمة ولم يدع إليها، وإذا رأيت قوما يخرجون من عند قاض وهم يقولون وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا
«٦» ، فاعلم أن شهادتهم لم تقبل.
وإذا قيل للمتزوج صبيحة البناء على أهله: كيف ما تقدمت عليه؟ فقال: الصلاح خير من كل شيء، فاعلم أن امرأته قبيحة، وإذا رأيت إنسانا يمشي ويلتفت، فاعلم أنه يريد أن يحدث. وإذا رأيت فقيرا يعدو ويهرول فاعلم أنه في حاجة غني. وإذا رأيت رجلا خارجا من عند الوالي وهو يقول يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ
«٧» فاعلم أنه صفع.
ويقال: عين المرء عنوان قلبه. وكانوا يقولون عظم الجبين يدل على البله، وعرضه يدل على قلة العقل وصغره يدل على لطف الحركة، وإذا وقع الحاجب على العين دل على الحسد، والعين المتوسطة في حجمها دليل الفطنة، وحسن الخلق والمروءة، والتي يطول تحديقها يدل على السمع، والإذن الكبيرة المنتصبة تدل على حمق وهذيان، وكانت الفرس تقول إذا فشا الموت في الوحوش دل على ضيقة، وإذا فشا في الفأر دل على الخصب، وإذا نعق غراب فجاوبته دجاجة عمر الخراب، وإذا قوقت دجاجة فجاوبها غراب خرب العمار. والله أعلم بكل شيء عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا أو عنده مفاتح الغيب