على قبره مستوحشا له وفي ذلك يقول بعضهم:
سلّط الموت والمنون عليهم ... فلهم في صدى المقابر هام
ثم جاء الإسلام، والعرب ترى صحة أمر الهام، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم «لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هام» .
وزعموا أن هذا الطائر يكون صغيرا ويكبر حتى يصير كضرب من البوم ويتوحش ويصرخ، ويوجد في الديار المعطلة والنواويس ومصارع القتلى، ويزعمون أن الهامة لا تزال عند ولد الميت لتعلم ما يكون من خبره فتخبر الميت. والصفر زعموا أن الإنسان إذا جاع عض على شر سرفه الصفر وهي حية تكون في البطن. تثنية الضربة:
زعموا أن الحية تموت في أول ضربة، فإذا ثنيت عاشت.
[الغيلان والتغول للعرب:]
في الغيلان والتغول أخبار وأقاويل، يزعمون أن الغول يتغول لهم في الخلوات في أنواع الصور فيخاطبونها وتخاطبهم، وزعمت طائفة من الناس أن الغول حيوان مشؤوم وأنه خرج منفردا لم يستأنس وتوحش، وطلب القفار، وهو يشبه الإنسان والبهيمة ويتراءى لبعض السفار «١» في أوقات الخلوات وفي الليل.
وحكي أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رآه في سفره إلى الشام فضربه بالسيف. وقال الجاحظ:
الغول كل شيء يتعرض للسيارة ويتلون في ضروب من الصور والثياب وفيه خلاف، وقالوا: إنه ذكر وأنثى إلا أن أكثر كلامهم أنه أنثى. وأما القطرب في قولهم، فهو نوع من الأشخاص المتشيطنة يعرف بهذا الاسم فيظهر في أكناف اليمن وصعيد مصر في أعاليه، وربما أنه يلحق الإنسان فينكحه، فيدود دبره فيموت. وربما نزا على الإنسان وأمسكه فيقول أهل تلك النواحي التي ذكرناها:
أمنكوح هو أو مذعور؟ فإن كان قد نكحه أيسوا منه، وإن كان قد ذعر سكن روعه وشجع قلبه، وإذا رآه الإنسان وقع مغشيا عليه، ومنهم من يظهر له فلا يكترث به لشهامته وثبات قلبه «٢» .
[ذكر الهواتف:]
أما الهواتف: فقد كانت كثرت في العرب وكان أكثرها أيام ولد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن من حكم الهواتف أن تهتف بصوت مسموع وجسم غير مرئي.
ومن عجيب ما حكي من أمر الهواتف:
ما حكاه أبو عمرو بن العلاء قال: خرجنا حجاجا، فصاحبنا رجل وجعل يقول في طريقه:
ليت شعري هل بغت علي. فلما انصرفنا من مكة قالها في بعض الطريق، فأجابه صوت في الظلام: نعم نعم مع حجية. وهو رجل أحمر ضخم في قفاه كية. فسكت الرجل، فلما سرنا إلى البصرة أخبرنا ذلك الرجل قال:
دخل جيراني يسلمون عليّ فإذا فيهم رجل أحمر ضخم في قفاه كية، فقلت لأهلي من هذا؟ قالت: رجل كان ألطف جيراننا بنا، فجزاه الله خيرا، فسألتها عن اسمه، فقالت حجية، فقلت: إلحقي بأهلك.
وأما بكاء المقتول، فكانت النساء لا يبكين المقتول حتى يؤخذ بثأره فإذا أخذ بثأره بكينه.
وأما رمي السن، فكانوا يزعمون أن الغلام إذا ثغر، فرمى سنه في عين الشمس بسبابته وإبهامه، وقال: أبدليني بأحسن منها، فإنه يأمن من على أسنانه العوج والفلج.
وأما خضاب النحر، فكانوا إذا أرسلوا الخيل على الصيد، فسبق واحد منها خضبوا صدره بدم الصيد علامة.
وأما نصب الراية: فكانت العرب تنصب الرايات على أبواب بيوتها لتعرف بها.
وأما جز النواصي «٣» : فكانوا إذا أسروا رجلا ومنّوا عليه، وأطلقوه جزوا ناصيته.
وأما الالتفات: فكانوا يزعمون أن من خرج في سفر والتفت وراءه لم يتم سفره، فإن التفت تطيروا له.
وكانوا يقولون: من علق عليه كعب الأرنب لم تصبه عين ولا سحر، وذلك أن الجن تهرب من الأرانب لأنها تحيض وليست من مطايا الجن.
ويزعمون أن المرأة إذا أحبت رجلا وأحبها ثم لم يشق عليها رداءه وتشق عليه برقعها فسد حبهما.
ويزعمون أن الرجل إذا قدم قرية، فخاف وباءها، فوقف على بابها قبل أن يدخلها ونهق كما تنهق الحمير لم يصبه وباؤها.
ويزعمون أن الحرقوص وهو دويبة أكبر من البرغوث تدخل في فروج الأبكار فتفتضهن.