أوحى الله إلى داود عليه الصلاة والسلام: يا داود لو يعلم المدبرون عني كيف انتظاري لهم ورفقي بهم وشوقي إلى ترك معاصيهم، لماتوا شوقا إلي وتقطعت أوصالهم من محبتي، يا داود هذه إرادتي في المدبرين عني فكيف إرادتي بالمقبلين علي.
ولقد أحسن من قال:
أسيء فيجزي بالإساءة إفضالا ... وأعصي فيوليني برّا وإمهالا
فحتى متى أجفوه وهو يبرني ... وأبعد عنه وهو يبذل إيصالا
وكم مرة قد زغت عن نهج طاعة ... ولا حال عن ستر القبيح ولا زالا
وهذا آخر ما يسره الله تعالى في هذا البابا والله أعلم بالصواب.
[الباب الثمانون فيما جاء في ذكر الأمراض والعلل والطب والدواء وما جاء في السنة من العبادة وما أشبه ذلك]
وفيه فصول
[الفصل الأول في الأمراض والعلل وما جاء في ذلك من الاجر والثواب]
روي عن عبد الله بن أنيس رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أيكم يحب أن يصح جسمه فلا يسقم؟
فقالوا: كلنا يا رسول الله، قال: أتحبون أن تكونوا كالحمير الصوالة، ألا تحبون أن تكونوا أصحاب بلايا وأصحاب كفارات والذي بعثني بالحق نبيا إن الرجل لتكونن له الدرجة في الجنة فلا يبلغها بشيء من عمله فيبتليه الله تعالى ليبلغ درجة لا يبلغها بعمله، وقال صلى الله عليه وسلم:
ما من مسلم يمرض إلا حط الله من خطاياه كما تحط الشجرة ورقها، وكان يقول: لا تزال الأوصاب والمصائب بالعبد حتى تتركه كالفضة البيضاء والنقية المصفاة.
وقيل: إن الناس قد حمّوا في فتح خيبر، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس إن الحمى رائد الموت وسجن الله في الأرض وقطعة من النار، فإذا وجدتم ذلك فبردوا لها الماء في الشنان ثم صبوا عليكم بين المغرب والعشاء، ففعلوا ذلك فزالت عنهم.
وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على شاب وهو في الموت فقال له: كيف تجدك؟ فقال: أرجو الله وأخاف ذنوبي، فقال عليه الصلاة والسلام: هما لا يجتمعان في قلب عبد في هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف.
وعن عفيرة بنت الوليد البصرية العابدة الزاهدة رحمها الله تعالى، انها سمعت رجلا يقول: ما أشد العمى على من كان بصيرا، فقالت له: يا عبد الله عمى القلب عن الله أشد من عمى العين عن الدنيا. والله لوددت أن الله وهب لي كنه معرفته ولم يبق مني جارحة إلا أخذها.
وكتب مبارك لأخيه سفيان الثوري يشكو إليه ذهاب بصره، فكتب إليه: أما بعد ... فقد فهمت كتابك فيه شكاية ربك، فاذكر الموت يهن عليك ذهاب بصرك والسلام.
وقيل لعطاء في مرضه ما تشتهي؟ قال: ما ترك خوف جهنم في قلبي موضعا للشهوة. وأصاب ابن أدهم بطن فتوضأ في ليلة سبعين مرة. وقيل لأعرابي في مرضه ما تشتهي؟ قال: الجنة، فقيل: أفلا ندعوا لك طبيبا؟
قال: طبيبي هو الذي أمرضني.
الفصل الثاني من هذا الباب في ذكر العلل كالبخر «١» والعرج والعمى والصمم والرمد والفالج وغير ذلك نسأل الله العفو والعافية والمعافة في الدنيا والآخرة
قيل: تسارر أبخر «٢» وأصم، فقال له الأصم: قد فهمت ثم فارقه. فسأله رجل فقال: والله لا أدري غير أنه فسا في أذني.
وقيل: إن عبد الملك بن مروان كان أبخرا فعض يوما على تفاحة ورمى بها إلى زوجته، فدعت بسكين فقال:
ما تصنعين بها؟ قالت: أميط الأذى عنها. فشق عليه ذلك منها فطلقها.
وسارر أبو الأسود الدؤلي سليمان بن عبد الملك وكان