يدفع فيه أحد شيئا، حتى باعوه من إنسان بكلب، فأخذه الذي ينادي عليه، وأخذ الكلب، وأتى بهما إلى ألب أرسلان، وقال: قد طفت به جميع العسكر، وناديت عليه، فلم يبذل أحد فيه شيئا سوى رجل واحد دفع فيه هذا الكلب، فقال: قد أنصفك إن الكلب خير منه، ثم أمر ألب أرسلان بعد ذلك بإطلاقه وذهب إلى القسطنطينية، فعزلته الروم، وكحّلوه بالنار.
فانظر ماذا يأتي على الملوك إذا عرفوا في الحرب من الحيلة والمكيدة. اللهم انصر جيوش المسلمين وعساكر الموحدين، وأهلك الكفرة، والمشركين، وانصر المسلمين نصرا عزيزا برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
[الباب الحادي والأربعون في ذكر أسماء الشجعان وذكر الأبطال وطبقاتهم وأخبارهم وذكر الجبناء وأخبارهم وذم الجبن]
[(الطبقة الأولى: الذين أدركوا الجاهلية والإسلام) :]
حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسد الله وأسد رسوله صلى الله عليه وسلم. قتل في غزاة أحد، رماه وحشي مولى جبير بن مطعم بحربة فقتله.
وكان فارس قريش غير مدافع، وبطلها غير ممانع، وعظم قتله على النبي صلى الله عليه وسلم ونذر أن يقتل به سبعين رجلا من قريش، وكبّر عليه في الصلاة سبعين تكبيرة.
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه. آية من آيات الله، ومعجزة من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومؤيد بالتأييد الإلهي، كاشف الكروب ومجليها، ومثبت قواعد الإسلام ومرسيها، وهو المتقدم على ذوي الشجاعة كلهم بلا مرية ولا خلاف. روي عنه رضي الله عنه أنه قال: والذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون عليّ من موتة على فراش. وقال بعض العرب «١» ما لقينا كتيبة فيها علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلا أوصى بعضنا على بعض «٢» . وقال رضي الله عنه لمعاوية: قد دعوت الناس إلى الحرب، فدع الناس جانبا واخرج إليّ ليعلم أينا المران على قلبه، والمغطّى على بصره، وأنا أبو الحسن قاتل جدك وخالك وأخيك شدخا «٣» يوم بدر، وذلك السيف معي، وبذلك القلب ألقى عدوي.
وقيل له كرم الله وجهه: إذا جالت الخيل، فأين نطلبك؟
قال: حيث تركتموني. وقيل له: كيف تقتل الأبطال؟ قال:
لأني كنت ألقى الرجل، فأقدر أني أقتله، ويقدر هو أني قتلته، فأكون أنا ونفسه عونا عليه.
وقال مصعب بن الزبير: كان علي رضي الله عنه حذرا في الحروب شديد الروغان لا يكاد أحد يتمكن منه، وكانت درعه صدرا لا ظهر لها، فقيل له: أما تخاف أن تؤتى من قبل ظهرك، فقال: إذا مكّنت عدوي من ظهري، فلا أبقى الله عليه إن أبقى عليّ.
قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي لعنة الله تعالى عليه، غدره وهو في صلاة الصبح. وسبب ذلك أن عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله تزوج بقطام بنت علقمة، وكانت خارجية، فقالت له: لا أقنع إلا بصداق «٤» أسميه وهو ثلاثة ألاف درهم، وعبد وأمة، وأن تقتل علي بن أبي طالب، فقال لها: لك ما سألت إلا علي بن أبي طالب، وكيف لي به؟ قالت: تغتاله، فإن سلمت أرحت الناس من شره، وأقمت مع أهلك، وإن أصبت دخلت الجنة. فقال:
ثلاثة آلاف وعبد وقينة ... وضرب علي بالحسام المخذّم
فلا مهر أغلى من علي وإن علا ... ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم
قيل أنه طعنه وهو داخل المسجد في الغلس «٥» ، وذلك في تاسع عشر رمضان المعظم سنة أربعين «٦» . كفن رضي الله عنه في ثلاثة أثواب، ودفن في الرحبة مما يلي باب كندة من أبواب المسجد «٧» . قالوا: ولما ضربه ابن ملجم لعنه الله، ثار الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر رضي