فيا ليت الشباب يعود يوما ... فأخبره بما فعل المشيب
وقال ابن النقيب:
وكم كان من عين عليّ وحافظ ... وكم كان من واش لها ورقيب
فلما بدا شيبي اطمأنّت قلوبهم ... ولم يحفظوني واكتفوا بمشيبي
وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: ما شبهت الشباب إلا كشيء كان في كمي فسقط. قال الشاعر:
شيئان لو بكت الدماء عليهما ... عيناك حتى يؤذنا بذهاب
لم يبلغا المعشار من حقّيهما ... فقد الشباب وفرقة الأحباب
وقال الجاحظ:
أترجو أن تكون وأنت شيخ ... كما قد كنت في زمن الشباب
لقد كذبتك نفسك ليس ثوب ... دريس كالجديد من الثياب «١»
ومما جاء في الخضاب:
قال صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالخضاب فإنه أهيب لعدوكم وأعجب لنسائكم» . وعن أبي عامر الأنصاري رضي الله عنه: رأيت أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه يغير بالحناء والكتم. وقيل: خضاب الحناء يصفي البصر ويذهب بالصداع ويزيد في البهاء.
تسوّد أعلاها وتأبى أصولها ... وليس إلى رد الشباب سبيل
وقيل: وفد عبد المطلب بن هاشم على سيف بن ذي يزن. فقال له: لو خضبت شعرك، فلما رجع إلى مكة اختضب. فقالت امرأته نبيلة: ما أحسن هذا لو دام. فقال:
ولو دام لي هذا الخضاب حمدته ... وكان بديلا من خليل قد انصرم
تمتّعت منه والحياة قصيرة ... ولا بدّ من موت نبيلة أو هرم
وقال آخر:
يا خاضب الشيب الذي ... في كلّ ثالثة يعود
إن الخضاب إذا نضا ... فكأنه شيب جديد «٢»
فدع المشيب وما يري ... د فلن يعود كما تريد
وقال محمود الوراق:
فما منك الشباب ولست منه ... إذا سامتك لحيتك الخضابا
[الفصل الثالث في العافية والصحة]
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إليك انتهت الأماني يا صاحب العافية» .
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة أن يقال له ألم أصح بدنك وأروك بالماء البارد» ؟ وقال علي رضي الله تعالى عنه في قوله تعالى: ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ٨
«٣» . هو الأمن والصحة والعافية.
وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: يسأل الله العباد عن الأبدان والأسماع والأبصار فيم استعملوها وهو أعلم بذلك. وقال ابن عيينة: من تمام النعمة طول الحياة في الصحة والأمن والسرور. وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: لو رأيت ليلة القدر ما سألت الله إلا العفو والعافية.
وقال قبيصة بن ذؤيب: كنا نسمع نداء عبد الملك بن مروان من وراء الحجرة في مرضه: يا أهل النعم لا تستقلوا شيئا من النعم مع العافية. ويقال: البحر لا جوار له، والملك لا صديق له، والعافية لا ثمن لها «٤» .
قال ابن الرومي:
إذا ما كساك الدهر سربال صحة ... ولم تخل من قوت يحلّ ويقرب
فلا تغبطن أهل الكثير فإنّما ... على قدر ما يعطيهم الدهر يسلب
ويقال: صحة الجسم أوفر القسم. وذكر بعضهم العافية فقال: وأي وطاء وأي عطاء. وقال حكيم: إن كان شيء فوق الحياة، فالصحة وإن كان شيء مثل الحياة فالغنى، وإن كان شيء فوق الموت، فالمرض وإن كان شيء مثل الموت فالفقر.