للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكيف ونظرة منها اختلاسا ... ألذّ من الشماتة بالعدو

وقال ابن أبي جهينة المهلبي:

كل المصائب قد تمر على الفتى ... فتهون غير شماتة الأعداء

وقال الجاحظ: ما رأيت سنانا أنفذ من شماتة الأعداء.

وقيل: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع بموته نساء من كندة وحضرموت، فخضبن أيديهن وضربن بالدفوف، فقال رجل منهم:

أبلغ أبا بكر إذا ما جئته ... أنّ البغايا من بني مرّام

أظهرن في موت النبي شماتة ... وخضبن أيديهن بالغلّام «١»

فاقطع هديت أكفهنّ بصارم ... كالبرق أومض في متون غمام

فكتب أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى المهاجر عامله، فأخذهن وقطع أيديهن.

ويقال: فلان يتربص بك الدوائر ويتمنى لك الغوائل، ولا يؤمل صلاحا إلا في فسادك ولا رفعة إلا في سقوط حالك. وقال حكيم: لا تأمن عدوك وإن كان ضعيفا، فإن القناة قد تقتل، وإن عدمت السنان. قال الشاعر:

فلا تأمن عدوّك لو تراه ... أقلّ إذا نظرت من القراد «٢»

فإن الحرب ينشأ من جبان ... وإن النار تضرم من رماد

بيت مفرد:

فمن لم يكن منكم مسيئا فإنه ... يشدّ على كف المسيء فيجلب

وقال عبد الله بن سليمان بن وهب:

كفاية الله خير من توقّينا ... وعادة الله في الماضين تكفينا

كاد الأعادي فلا والله ما تركوا ... قولا وفعلا وتلقينا وتهجينا

ولم نزد نحن في سر وفي علن ... على مقالتنا يا ربّنا اكفينا

فكان ذاك وردّ الله حاسدنا ... بغيظه لم ينل تقديره فينا

[الفصل الرابع في الحسد]

قال الله تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ

«٣» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود» . وقال علي رضي الله عنه: الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له.

وقيل: الحسود غضبان على القدر. ويقال: ثلاثة لا يهنأ لصاحبها عيش. الحقد والحسد وسوء الخلق.

وقيل: بئس الشعار الحسد. وقيل لبعضهم: ما بال فلان يبغضك؟ قال: لأنه شقيقي في النسب، وجاري في البلد، وشريكي في الصناعة، فذكر جميع دواعي الحسد.

وقال أعرابي: الحسد داء منصف يفعل في الحاسد أكثر من فعله في المحسود، وهو مأخوذ من الحديث: «قاتل الله الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله» .

وقال الفقيه أبو الليث السمرقندي، رحمة الله تعالى عليه: يصل إلى الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل حسده إلى المحسود، أولاها: غم لا ينقطع. الثانية:

مصيبة لا يؤجر عليها، الثالثة: مذمة لا يحمد عليها، الرابعة: سخط الرب، الخامسة: يغلق عنه باب التوفيق.

ومن ذلك ما حكي: أن رجلا من العرب دخل على المعتصم فقرّبه وأدناه وجعله نديمه، وصار يدخل على حريمه من غير استئذان. وكان له وزير حاسد فغار من البدوي وحسده، وقال في نفسه: إن لم أحتل على هذا البدوي في قتله أخذ بقلب أمير المؤمنين، وأبعدني منه، فصار يتلطف بالبدوي حتى أتى به إلى منزله، فطبخ له طعاما، وأكثر فيه من الثوم، فلما أكل البدوي منه قال له:

احذر أن تقترب من أمير المؤمنين، فيشم منك رائحة الثوم، فيتأذى من ذلك فإنه يكره رائحته، ثم ذهب الوزير إلى أمير المؤمنين، فخلا به وقال: يا أمير المؤمنين إن البدوي يقول عنك للناس إن أمير المؤمنين أبخر «٤» وهلكت من رائحة فمه. فلما دخل البدوي على أمير المؤمنين جعل كمه على فمه مخافة أن يشم منه رائحة الثوم، فلما رآه أمير المؤمنين وهو يستر فمه بكمه قال: إن

<<  <   >  >>