للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: عدوي، قيل: كيف ذلك؟ قال: لأنه إذا كان عاقلا كنت منه في عافية وأمن. وقيل: كونوا من المرء الدغل «١» أخوف من الكاشح «٢» المعلن، فإن مداواة أهل العلل الظاهرة أهون من مداواة ما خفي وبطن. وقالوا: إياك أن تعادي من إذا شاء طرح ثيابه، ودخل مع الملك في لحافه.

وقال أبو العتاهية:

تنحّ عن القبيح ولا ترده ... ومن أوليته حسنا فزده

ستلقي من عدوك كلّ كيد ... إذا كان العدوّ ولم تكده

وكانت جليلة بنت مرة أخت جساس تحت كليب، فقتل أخوها زوجها وهي حبلى بهجرس بن كليب، فلما كبر وشب قال:

أصاب أبي خالي وما أنا بالذي ... أميل وأمري بين خالي ووالدي

وأورث جساس بن مرة غصة ... إذا ما اعترتني حرّها غير بارد

ثم قال بعد ذلك:

يا للرجال لقلب ماله جلد «٣» ... كيف العزاء وثاري عند جساس

ثم حمل على خاله فقتله وقال:

ألم ترني ثأرت أبي كليبا ... وقد يرجى المرشّح للدخول

غسلت العار عن جسم ابن بكر ... بجساس بن مرة ذي البتول

بيت:

سنّ العداوة آباء لنا سلفوا ... فلن تبيد وللآباء أبناء

ويقال: دار عدوك لأحد أمرين: إما لصداقة تؤمنك، أو لفرصة تمكنك.

وكتب سويد إلى مصعب:

فبلّغ مصعبا عني رسولي ... وهل تلقى النصيح بكل واد

تعلّم أنّ أكثر من تناجي ... وإن ضحكوا إليك هم الأعادي

ويقال: فلان كثير المراق مر المذاق. وقال الحجاج لخارجي: والله إني لأبغضك، قال: أدخل الله الجنة أشدنا بغضا لصاحبه. ولما أراد أنوشروان أن يقلّد ابنه هرمز ولاية العهد استشار عظماء مملكته، فأنكروا عليه، وقال بعضهم: إن أمه تركية وقد علمت في أخلاقهم ما علمت، فقال: إن الأبناء ينسبون إلى الآباء لا إلى الأمهات، وكانت أم قباذ تركية، وقد رأيتم من حسن سيرته ما رأيتم، فقيل: هو قصير وذلك يذهب ببهاء الملك، فقال: إن قصره من رجليه ولا يكاد يرى إلا جالسا أو راكبا، فلا يستبين ذلك فيه. فقيل: هو بغيض في الناس، فقال: أواه هلك ابني هرمز، فقد قيل: إذا كان في الإنسان خير واحد ولم يكن ذلك الخير المحبة إلى الناس فلا خير فيه، وإذا كان فيه عيب واحد ولم يكن ذلك العيب البغض في الناس فلا عيب فيه:

ولست براء عيب ذي الود كلّه ... ولا بغض ما فيه إذا كنت راضيا

فعين الرضا عن كل عيب كليلة ... كما أن عين السخط تبدي المساويا

وفي المعنى قيل:

وعين البغض تبرز كلّ عيب ... وعين الحب لا تجد العيوبا

وعن أبي حيان قال: قال لقمان: نقلت الصخور وحملت الحديد، فلم أر شيئا أثقل من الدّين، وأكلت الطيبات وعانقت الحسان، فلم أر شيئا ألذ من العافية. وأنا أقول لو نزحوا البحار وكنسوا القفار لوجدوها أهون من شماتة الأعداء خصوصا إذا كانوا مساهمين في نسب أو مجاورين في بلد. اللهم إنّا نعوذ بك من تتابع الإثم وسوء الفهم وشماتة ابن العم.

وقيل لأيوب عليه السلام: أي شيء كان عليك في بلائك أشد؟ قال: شماتة الأعداء.

وأنشد الجاحظ:

تقول العاذلات تسلّ عنها ... وداو عليل قلبك بالسلو «٤»

<<  <   >  >>