ويزعمون أن الرجل إذا ضل، فقلب ثيابه اهتدى.
وكانوا يزعمون أن الناقة إذا نفرت وذكر اسم أمها فإنها تسكن.
وكانت لهم خرزة يزعمون أن العاشق إذا حكها وشرب ما يخرج منها صبر وتسمى السلوان. ونكاح المقت من سنتهم وهو أن الرجل إذا مات قام ولده الأكبر فألقى ثوبه على امرأة أبيه فورث نكاحها، فإن لم يكن له بها حاجة زوجها لبعض أخوته بمهر جديد، فكانوا يرثون المال «١» .
ولهم حكايات عجيبة وأحوال غريبة، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
[الباب الستون في الكهانة والقيافة والزجر والعرافة والفأل والطيرة والفراسة والنوم والرؤية وما أشبه ذلك]
[أما الكهانة:]
فكانت فاشية في الجاهلية حتى جاء الإسلام، فلم يسمع فيه بكاهن، وكان ذلك من معجزات النبوة وآياتها وللكهنة أخبار.
فمنهم: سطيح، ورد عليه عبد المسيح وهو يعالج الموت وأخبره على ما يزعمون بما جاء لأجله، وذلك أن الموبذان رأى إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها، فلما أصبح أعلم كسرى بذلك، فتصبّر كسرى تشجعا، ثم رأى أن لا يكتم ذلك عن وزرائه ورؤساء مملكته، فلبس تاجه وقعد على سريره وجمع وزراءه ورؤساء مملكته فأخبرهم بالخبر، فبينما هم كذلك إذ ورد عليهم كتاب بخمود النيران وارتجاس الإيوان فازدادوا غما على غمهم، فكتب كسرى كتابا إلى النعمان بن المنذر: أما بعد: فوجه إليّ رجلا عالما بما أريد أن أسأله عنه. فوجه إليه عبد المسيح الغساني، فقال له كسرى أعندك علم بما أريد أن أسألك عنه؟ قال:
ليخبرني الملك فإن كان عندي علم منه وإلا أخبرته بمن يعلمه به، فأخبره بما رآه الموبذان، فقال: علم ذلك عند كاهن يسكن مشارف الشام يقال له سطيح. قال: فأته فاسأله عما سألتك وائتني بالجواب، فركب عبد المسيح وتوجه إلى سطيح فوجده قد أشرف على الضريح، فسلم عليه وحياه ولم يخبر عبد المسيح بما جاء بسببه غير أنه أنشده شعرا يذكر فيه أنه جاء برسالة من قبل ملك العجم ولم يذكر له السبب فرفع رأسه، وقال: عبد المسيح على جمل يسيح إلى سطيح، بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الإيوان وخمود النيران ورؤيا الموبذان، رأى إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قطعت الدجلة وانتشرت في بلادها، يا عبد المسيح إذا كثرت التلاوة وفاض وادي سماوة وغاضت بحيرة ساوة وخمدت نار فارس، فليس الشام لسطيح شاما ولا العجم لعبد المسيح مقاما، يرتفع أمر العرب وأظن أن وقت ولادة محمد قد اقترب، يملك منهم ملوكا وملكات بعدد الشرافات وكل ما هو آت آت. ثم قضى سطيح مكانه، فثار عبد المسيح إلى راحلته وعاد فأخبر كسرى بذلك.
وحكي ... أن ربيعة بن مضر اللخمي رأى مناما هاله فأراد تفسيره فقال له أهل مملكته: ما يفسره لك إلّا شق وسطيح فأحضرهما، وقال لسطيح إني رأيت مناما هالني فإن عرفته فقد أصبت تفسيره، فقال: رأيت جمجمة خرجت من ظلمة فوقعت بأرض نهمة فأكل منها كل ذات جمجمة، فقال له الملك: ما أخطأت شيئا، ما تفسيره، قال: ليهبطن بأرضك الحبش وتملك ما بين أبين إلى جرش، فقال الملك: إن هذا لغائظ موجع فمتى هو كائن أفي زماني أم بعده؟ قال: بل بعده بحين أكثر من ستين أو سبعين تمضي من السنين ثم يقتتلون بها أجمعين ويخرجون منها هاربين، قال: ومن ذا الذي يملك بعدهم؟
قال: أراه ذا يزن يخرج عليهم من عدن فما يترك منهم أحدا باليمن. قال الملك: فيدوم ذلك أم ينقطع؟ قال: بل ينقطع قال: ومن يقطعه؟ قال: نبي زكي يأتيه الوحي من العلي، قال: وممن يكون هذا النبي؟ قال: من ولد عدنان بن فهر بن مالك بن النضر يكون في قومه الملك إلى آخر الدهر. قال: وهل للدهر من آخر؟ قال: نعم، يوم يجمع فيه الأولون والآخرون ويسعد فيه المحسنون ويشقى المسيئون. قال: أو حق ما تخبر؟ قال: والشفق والقمر إذا اتسق أن ما أنبأتك به لحق. ثم دعا بشق فقال مثل ما قال سطيح.
ومن ذلك ما حكي أن أمية بن عبد شمس دعا هاشم بن