للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: أرويت الشعر؟ قال: لا. فكتب إلى عبد الله: أبا زياد بارك الله لك في ابنك فأروه الشعر، فقد وجدته كاملا، وإني سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: أرووا الشعر فإنه يدل على محاسن الأخلاق، ويقي مساويها، وتعلموا الأنساب فربّ رحم مجهولة قد وصفت بعريان النسب، وتعلموا من النجوم ما يدلكم على سبلكم في البر والبحر، ولقد هممت بالهرب يوم صفين، فما ثبتني إلا قول القائل:

أقول لها إذا جشأت وجاشت ... مكانك تحمدي أو تستريحي «١»

وقيل: لم ير قط أعلم بالشعر والشعراء من خلف الأحمر، كان يعمل الشعر على ألسنة الفحول من القدماء، فلا يتميز عن مقولهم، ثم تنسك، فكان يختم القرآن كل يوم وليلة، وبذل له بعض الملوك مالا جزيلا على أن يتكلم في بيت من الشعر شكّوا فيه فأبى.

وكان الحسن بن علي رضي الله عنه يعطي الشعراء، فقيل له في ذلك، فقال: خير مالك ما وقيت به عرضك.

وقال أبو الزناد: ما رأيت أروى للشعر من عروة قلت له: ما أرواك يا أبا عبد الله؟ فقال: وما روايتي مع رواية عائشة رضي الله عنها ما كان ينزل بها شيء إلا أنشدت فيه شعرا.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل بقول القائل: كفى الإسلام والشيب للمرء ناهيا، ولم ينطق به موزونا، فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: أشهد أنك رسول الله حقا وتلا قوله تعالى: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي

«٢» .

ولنذكر نبذة من سرقات الشعراء وسقطاتهم:

فمن ذلك قول قيس بن الخطيم وهو شاعر الأوس وشجاعها «٣» :

وما المال والأخلاق إلّا معارة ... فما اسطعت من معروفها فتزوّد

وكيف يخفى ما أخذه مع اشتهار قصيدة طرفة بن العبد وهي معلقة على الكعبة يقول فيها:

لعمرك ما الأيام إلّا معارة ... فما استطعت من معروفها فتزود

ومن ذلك قول عبدة بن الطيب:

فما كان قيس هلكه هلك واحد ... ولكنه بنيان قوم تهدّما

أخذه من قول امرىء القيس:

فلو أنها نفسي تموت شريتها ... ولكنها نفس تساقط أنفسا

ويقال من سرق شيئا واسترقّه، فقد استحقه، وهو أن يسرق الشاعر المعنى دون اللفظ. فمن السرقة الفاحشة قول كثير في عبد الملك بن مروان:

إذا ما أراد الغزو لم يثن همه ... حصان عليها عقد در يزينها «٤»

أخذه من قول الحطيئة ولم يغير سوى الروي:

إذا ما أراد الغزو لم يثن همه ... حصان عليها لؤلؤ وشنوف «٥»

وجرير على سعة تبحره وقدرته على غرر الشعر وابتكار الكلام نقل قوله:

فلو كان الخلود بفضل قوم ... على قوم لكان لنا الخلود

من قول زهير وهو شعر مشهور يحفظه الصبيان وترويه النسوان وهو:

فلو كان حمد يخلد المرء لم يمت ... ولكنّ حمد المرء غير مخلد

وقد قال الشماخ:

وأمر ترجّي النفس ليس بنافع ... وآخر تخشى ضيره لا يضيرها

وهو مأخوذ من قول الآخر:

ترجّي النفوس الشيء لا تستطيعه ... وتخشى من الأشياء ما لا يضيرها

وأبو تمام مع قوته وقدرته على الكلام يقول:

وأحسن من نور تفتّحه الصبا ... بياض العطايا في سواد المطالب

<<  <   >  >>