الصياد شبكته فبأي شيء يصيد. وسئل بعض العلماء عن المتصوفة، فقال: أكلة رقصة، ووعظ عيسى عليه السلام بني إسرائيل، فأقبلوا يمزقون الثياب، فقال: ما ذنب الثياب، أقبلوا على القلوب فعاتبوها.
وأما ما جاء في الرياء:
فقد قال الله تعالى: يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا
«١» .
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معاذ احذر أن يرى عليك آثار المحسنين، وأنت تخلو من ذلك فتحشر مع المرائين» .
وقيل: لو أن رجلا عمل عملا من البر فكتمه ثم أحب أن يعلم الناس أنه كتمه، فهو من أقبح الرياء.
وقيل: كل ورع يحب صاحبه أن يعلمه غير الله، فليس من الله في شيء. وعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر» ، قالوا: ما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال:
«الرياء» «٢» . وقيل: بينما عابد يمشي ومعه غمامة على رأسه تظله، فجاء رجل يريد أن يستظل معه، فمنعه. وقال إن أقمت معي لم يعلم الناس أن الغمامة تظلني، فقال له الرجل قد علم الناس أنني لست ممن تظله الغمامة، فحولها الله تعالى إلى ذلك الرجل.
وقال عبد الأعلى السلمي يوما: الناس يزعمون أني مراء وكنت أمس والله صائما ولا أخبرت بذلك أحدا. اللهم أصلح فساد قلوبنا واستر فضائحنا برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الباب التاسع عشر في العدل والإحسان والإنصاف وغير ذلك
إعلم أرشدك الله أن الله تعالى أمر بالعدل، ثم علم سبحانه وتعالى أنه ليس كل النفوس تصلح على العدل بل تطلب الإحسان وهو فوق العدل فقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى
«٣» الآية. فلو وسع الخلائق العدل ما قرن الله به الإحسان. والعدل ميزان الله تعالى في الأرض الذي يؤخذ به للضعيف من القوي والمحق من المبطل.
واعلم أن عدل الملك يوجب محبته، وجوره يوجب الافتراق عنه، وأفضل الأزمنة ثوابا أيام العدل.
وروينا من طريق أبي نعيم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لعمل الإمام العادل في رعيته يوما واحدا أفضل من عمل العابد في أهله مائة عام أو خمسين عاما» «٤» .
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عدل ساعة خير من عبادة سبعين سنة» . وروينا في سنن أبي داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم تحمل على الغمام وتفتح لها أبواب السماء» .
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال لكعب الأحبار: أخبرني عن جنة عدن، قال: يا أمير المؤمنين لا يسكنها إلا نبي أو صديق أو شهيد أو إمام عادل، فقال عمر: والله ما أنا نبي، وقد صدقت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما الإمام العادل، فإني أرجو أن لا أجور، وأما الشهادة فأنّى لي بها. قال الحسن: فجعله الله صديقا شهيدا حكما عدلا.
وسأل الإسكندر حكماء أهل بابل: إيما أبلغ عندكم؟
الشجاعة أو العدل، قالوا إذا استعملنا العدل استغنينا به عن الشجاعة.
ويقال: عدل السلطان أنفع من خصب الزمان. وقيل:
إذا رغب السلطان عن العدل رغبت الرعية عن طاعته.
وكتب بعض عمال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يشكو إليه من خراب مدينته ويسأله مالا يرمّها به «٥» ، فكتب إليه عمر قد فهمت كتابك، فإذا قرأت كتابي، فحصن مدينتك بالعدل، ونق طرقها من الظلم، فإنه مرمتها والسلام. ويقال: إن الحاصل من خراج سواد العراق في