زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان مائة ألف ألف وسبعة وثلاثين ألف ألف، فلم يزل يتناقص حتى صار في زمن الحجاج ثمانية عشر ألف ألف. فلما ولي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ارتفع في السنة الأولى إلى ثلاثين ألف ألف، وفي الثانية إلى ستين ألف ألف، وقيل أكثر. وقال: إن عشت لأبلغنه إلى ما كان في أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فمات في تلك السنة.
ومن كلام كسرى: لا ملك إلا بالجند، ولا جند إلا بالمال، ولا مال إلا بالبلاد ولا بلاد إلا بالرعايا، ولا رعايا إلا بالعدل.
ولما مات سلمة بن سعيد كان عليه ديون للناس ولأمير المؤمنين المنصور، فكتب المنصور لعامله استوف لأمير المؤمنين حقه، وفرق ما بقي بين الغرماء، فلم يلتفت إلى كتابه، وضرب للمنصور بسهم من المال، كما ضرب لأحد الغرماء، ثم كتب للمنصور: إني رأيت أمير المؤمنين كأحد الغرماء، فكتب إليه المنصور: ملئت الأرض بك عدلا.
وكان أحمد بن طولون والي مصر متحليا بالعدل مع تجبره وسفكه للدماء، وكان يجلس للمظالم وينصف المظلوم من الظالم.
حكي أن ولده العباس استدعى بمغنية وهو يصطبح يوما، فلقيها بعض صالحي مصر ومعها غلام يحمل عودها فكسره، فدخل العباس إليه وخبره بذلك، فأمره بإحضار ذلك الرجل الصالح، فلما أحضر إليه قال: أنت الذي كسرت العود، قال: نعم. قال: أفعلمت لمن هو؟ قال:
نعم هو لابنك العباس، قال: أفما أكرمته لي، قال أكرمه لك بمعصية الله عز وجل، والله تعالى يقول: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
«١» . ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. فأطرق أحمد بن طولون عند ذلك، ثم قال: كل منكر رأيته فغيره وأنا من ورائك «٢» . ووقف يهودي لعبد الملك بن مروان فقال: يا أمير المؤمنين إن بعض خاصتك ظلمني فأنصفني منه وأذقني حلاوة العدل، فأعرض عنه، فوقف له ثانيا، فلم يلتفت إليه، فوقف له مرة ثالثة، وقال يا أمير المؤمنين إنا نجد في التوراة المنزّلة على كليم الله موسى صلوات الله وسلامه عليه: إن الإمام لا يكون شريكا في ظلم أحد حتى يرفع إليه فإذا رفع إليه ذلك ولم يزله، فقد شاركه في الظلم والجور. فلما سمع عبد الملك كلامه فزع وبعث في الحال إلى من ظلمه، فعزله وأخذ لليهودي حقه منه.
وروي أن رجلا من العقلاء غصبه بعض الولاة ضيعة له، فأتى إلى المنصور، فقال له: أصلحك الله يا أمير المؤمنين أأذكر لك حاجتي أم أضرب لك قبلها مثلا؟
فقال: بل اضرب المثل. فقال: إن الطفل الصغير إذا نابه أمر يكرهه فإنما يفزع إلى أمه إذ لا يعرف غيرها وظنا منه أن لا ناصر له غيرها، فإذا ترعرع واشتد كان فراره إلى أبيه، فإذا بلغ وصار رجلا وحدث به أمر شكاه إلى الوالي لعلمه أنه أقوى من أبيه، فإذا زاد عقله شكاه إلى السلطان لعلمه أنه أقوى مما سواه، فإن لم ينصفه السلطان شكاه إلى الله تعالى لعلمه أنه أقوى من السلطان، وقد نزلت بي نازلة، وليس أحد فوقك أقوى منك إلا الله تعالى، فإن أنصفتني وإلا رفعت أمري إلى الله تعالى في الموسم، فإني متوجه إلى بيته وحرمه. فقال المنصور: بل ننصفك، وأمر أن يكتب إلى واليه بردّ ضيعته إليه.
وكان الإسكندر يقول: «يا عباد الله إنما إلهكم الله الذي في السماء الذي نصر نوحا بعد حين، الذي يسقيكم الغيث عند الحاجة، وإليه مفزعكم «٣» عند الكرب، والله لا يبلغني أن الله تعالى أحب شيئا إلا أحببته واستعملته إلى يوم أجلي، ولا أبغض شيئا إلا أبغضته وهجرته إلى يوم أجلي، وقد أنبئت أن الله تعالى يحب العدل في عباده ويبغض الجور من بعضهم على بعض، فويل للظالم من سيفي وسوطي، ومن ظهر منه العدل من عمالي، فليتكىء في مجلسي كيف شاء، وليتمن على ما شاء فلن تخطئه أمنيته، والله تعالى المجازي كلا بعمله «٤» .
ويقال: إذا لم يعمر الملك ملكه بالإنصاف خرب ملكه بالعصيان.
وقيل: مات بعض الأكاسرة فوجدوا له سفطا، ففتح، فوجد فيه حبة رمان كأكبر ما يكون من النوى معها رقعة مكتوب فيها: هذه من حب رمان عمل في خراجه بالعدل.