وذي حرص تراه يلمّ وفرا ... لوارثه ويدفع عن حماه
ككلب الصيد يمسك وهو طاو ... فريسته ليأكلها سواه
ولقد أحسن من قال في الجناس الحقيقي:
إذا ما نازعتك النفس حرصا ... فأمسكها عن الشهوات أمسك
ولا تحرص ليوم أنت فيه ... وعدّ فرزق يومك رزق أمسك
ومن كلام الحكماء: إياكم وطول الأمل، فإن من ألهاه أمله أخزاه عمله.
قال عبد الصمد بن المعدل:
ولي أمل قد قطعت به الليالي ... أراني قد فنيت به وداما
قال الحسن: إياكم وهذه الأماني، فإنه لم يعط أحد بالأمنية خيرا قط في الدنيا ولا في الآخرة.
وقال قس بن ساعدة:
وما قد تولى فهو لا شك فائت ... فهل ينفعنّي ليتني ولعلّني
وقال آخر:
ولا تتعلّل بالأماني فإنّها ... عطايا أحاديث النفوس الكواذب
وقال آخر وأجاد:
الله أصدق والآمال كاذبة ... وجلّ هذي المنى في الصّدر وسواس
(وقال آخر) :
شطّ المزار بسعدى «١» وانتهى الأمل ... فلا خيال ولا رسم ولا طلل «٢»
إلّا رجاء فما ندري أندركه ... أم يستمرّ فيأتي دونه الأجل
وقال أبو العتاهية:
لقد لعبت وجدّ الموت في طلبي ... وأن في الموت لي شغلا عن اللعب
ولو سمت فكرتي فيما خلقت له ... ما اشتدّ حرصي على الدنيا ولا طلبي
وله أيضا:
تعالى الله يا سلم بن عمرو ... أذلّ الحرص أعناق الرجال
هب الدنيا تقاد إليك عفوا ... أليس مصير ذلك للزوال
وقد ضمّنت البيت الأخير فقلت:
أيا من عاش في الدنيا طويلا ... وأفنى العمر في قيل وقال
وأتعب نفسه فيما سيفنى ... وجمّع من حرام أو حلال
هب الدنيا تقاد إليك عفوا ... أليس مصير ذلك للزوال
ومما جاء في الطمع وذمه:
قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع، وقال رضي الله عنه: ما الخمر صرفا بأذهب لعقول الرجال من الطمع.
وفي الحديث: «إياك والطمع فإنه الفقر الحاضر» . وقال فيلسوف: العبيد ثلاثة: عبد رقّ، وعبد شهوة، وعبد طمع «٣» . وقال بعضهم: من أراد أن يعيش حرا أيام حياته فلا يسكن قلبه الطمع.
وقيل: اجتمع كعب وعبد الله بن سلّام فقال له كعب: يا ابن سلّام من أرباب العلم؟ قال: الذين يعملون به، قال:
فما أذهب العلم عن قلوب العلماء بعد أن علموه، قال:
الطمع وشره النفس، وطلب الحوائج إلى الناس.
واجتمع الفضل وسفيان وابن كريمة اليربوعي، فتواصوا ثم افترقوا وهم مجمعون على أن أفضل الأعمال الحلم عند الغضب، والصبر عند الطمع.
وقيل: لما خلق الله آدم عليه السلام عجن بطينته ثلاثة أشياء: الحرص، والطمع، والحسد فهي تجري في أولاده