للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى يوم القيامة، فالعاقل يخفيها، والجاهل يبديها، ومعناه أن الله تعالى خلق شهوتها فيه.

قال إسماعيل بن قطري القراطيسي:

حسبي بعلمي إن نفع ... ما الذلّ إلّا في الطمع

من راقب الله نزع ... عن سوء ما كان صنع «١»

ما طار طير وارتفع ... إلا كما طار وقع

وقال سابق البربري:

يخادع ريب الدهر عن نفسه الفتى ... سفاها وريب الدهر عنها يخادعه

ويطمع في سوف ويهلك دونها ... وكم من حريص أهلكته مطامعه

وقيل لأشعب: ما بلغ من طمعك؟ قال: أرى دخان جاري فأفت خبزي، وقال أيضا: ما رأيت رجلين يتسارّان في جنازة إلا قدرت أن الميت أوصى لي بشيء من ماله، وما زفت عروس إلا كنست بيتي رجاء أن يغلطوا فيدخلوا بها إليّ.

قال بعضهم:

لا تغضبنّ على امرىء ... لك مانع ما في يديه

واغضب على الطّمع الذي است ... دعاك تطلب ما لديه

والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الباب الحادي عشر في المشورة والنصيحة والتجارب والنظر في العواقب

قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ

«٢» .

واختلف أهل التأويل في أمره بالمشاورة مع ما أمده الله تعالى من التوفيق على ثلاثة أوجه:

أحدها أنه أمره بها في الحرب ليستقر له الرأي الصحيح، فيعمل عليه، وهذا قول الحسن.

ثانيها: أنه أمره بالمشاورة لما علم فيها من الفضل، وهذا قول الضحاك.

ثالثها: أنه أمره بمشاورتهم ليستن به المسلمون وإن كان في غنية عن مشورتهم، وهذا قول سفيان.

وقال ابن عيينة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أمرا شاور فيه الرجال، وكيف يحتاج إلى مشاورة المخلوقين من الخالق مدبر أمره، ولكنه تعليم منه ليشاور الرجل الناس، وإن كان عالما.

وقال عليه الصلاة والسلام: «ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، ولا افتقر من اقتصد» . وقال عليه الصلاة والسلام: «من أعجب برأيه ضلّ، ومن استغنى بعقله زلّ» .

وكان يقال: ما استنبط الصواب بمثل المشاورة. وقال حكيم: المشورة موكل بها التوفيق لصواب الرأي.

وقال الحسن: الناس ثلاثة، فرجل رجل، ورجل نصف رجل، ورجل لا رجل. فأما الرجل الرجل فذو الرأي والمشورة، وأما الرجل الذي هو نصف رجل، فالذي له رأي ولا يشاور، وأما الرجل الذي ليس برجل، فالذي ليس له رأي ولا يشاور.

وقال المنصور لولده: خذ عني اثنتين: لا تقل في غير تفكير، ولا تعمل بغير تدبير.

وقال الفضل: المشورة فيها بركة وإني لأستشير حتى هذه الحبشية الأعجمية.

وقال أعرابي: لا مال أوفر من العقل، ولا فقر أعظم من الجهل، ولا ظهر أقوى من المشورة. وقيل: من بدأ بالاستخارة، وثنّى بالاستشارة، فحقيق أن لا يخيب رأيه.

وقيل: الرأي السديد أحمى من البطل الشديد.

قال أبو القاسم النهروندي:

وما ألف مطرور السّنان «٣» مسدّد ... يعارض يوم الروع رأيا مسددا

وقال علي رضي الله عنه: خاطر من استغنى برأيه.

وسمع محمد بن داود وزير المأمون قول القائل:

إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة ... فإن فساد الرأي أن يتردّدا

<<  <   >  >>