للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأضاف إليه قوله:

وإن كنت ذا عزم فانفذه عاجلا ... فإن فساد العزم أن يتقيّدا

ولمحمد بن إدريس الطائي:

ذهب الصواب برأيه فكأنّما ... آراؤه اشتقت من التأييد

فإذا دجا خطب تبلّج رأيه ... صبحا من التوفيق والتسديد «١»

ولمحمد الوراق:

إنّ البيب إذا تفرّق أمره ... فتق الأمور مناظرا ومشاورا

وأخو الجهالة يستبدّ برأيه ... فتراه يعتسف الأمور مخاطرا

وقال الرشيد حين بدا له تقديم الأمين على المأمون في العهد:

لقد بان وجه الرأي لي غير أنّني ... عدلت عن الأمر الذي كان أحزما «٢»

فكيف يردّ الدرّ في الضرع بعدما ... توزّع حتى صار نهبا مقسّما

أخاف التواء الأمر بعد استوائه ... وأن ينقض الحبل الذي كان أبرما

وقال آخر:

خليليّ ليس الرأي في جنب واحد ... أشيرا عليّ اليوم ما تريان

ووصف رجل عضد الدولة فقال له: وجه فيه ألف عين، وفم فيه ألف لسان، وصدر فيه ألف قلب.

وقال أزدشير بن بابك: أربعة تحتاج إلى أربعة.

الحسب إلى الأدب، والسرور إلى الأمن، والقرابة إلى المودة، والعقل إلى التجربة. وقال: لا تستحقر الرأي الجزيل من الرجل الحقير، فإن الدرّة لا يستهان بها لهوان غائصها.

وقال جعفر بن محمد: لا تكونن أول مشير، وإياك والرأي الخطير، وتجنب ارتجال الكلام، ولا تشيرن على مستبد برأيه، ولا على متلون، ولا على لحوح.

وقيل: ينبغي أن يكون المستشار صحيح العلم، مهذب الرأي، فليس كل عالم يعرف الرأي الصائب، وكم ناقد في شيء ضعيف في غيره.

قال أبو الأسود الدؤلي:

وما كلّ ذي نصح بمؤتيك نصحه ... وما كلّ مؤت نصحه بلبيب

ولكن إذا ما استجمعا عند واحد ... فحقّ له من طاعة بنصيب

وكان اليونان والفرس لا يجمعون وزراءهم على أمر يستشيرونهم فيه وإنما يستشيرون الواحد منهم من غير أن يعلم الآخر به لمعان شتى، منها:

لئلا يقع بين المستشارين منافسة، فتذهب إصابة الرأي، لأن من طباع المشتركين في الأمر التنافس والطعن من بعضهم في بعض.

وربما سبق أحدهم بالرأي الصواب فحسدوه وعارضوه.

وفي اجتماعهم أيضا للمشورة تعريض السر للإذاعة، فإذا كان كذلك وأذيع السر لم يقدر الملك على مقابلة من أذاعه للإبهام «٣» . فإن عاقب الكل عاقبهم بذنب واحد، وإن عفا عنهم ألحق الجاني بمن لا ذنب له.

وقيل: إذا أشار عليك صاحبك برأي ولم تحمد عاقبته فلا تجعلن ذلك عليه لوما وعتابا بأن تقول: أنت فعلت، وأنت أمرتني، ولولا أنت، فهذا كله ضجر ولوم وخفة «٤» .

وقال أفلاطون: إذا استشارك عدوك، فجرّد له النصيحة «٥» لأنه بالاستشارة قد خرج عن عداوتك إلى موالاتك.

وقيل: من بذل نصحه واجتهاده لمن لا يشكره فهو كمن بذر في السباخ «٦» .

قال الشاعر يمدح من له رأي وبصيرة:

بصير بأعقاب الأمور كأنّما ... يخاطبه من كل أمر عواقبه «٧»

<<  <   >  >>