يدان «١» يعرف بالسمك اليهودي، وذلك أنه إذا غابت الشمس ليلة السبت يخرج من البحر، ويلقي نفسه في البر ولا يتحرك، ولا يأكل، ولو قتل، ولا يدخل البحر حتى تغيب الشمس ليلة الأحد، فيحنئذ يدخل البحر ولا تلحقه السفن لخفته وقوته وجلده يتخذ منه نعل لصاحب النقرس، فلا يجد له ألما ما دام ذلك الجلد عليه، وهو من العجائب.
وقيل: إن في بحر الروم سمكا طويلا طول السمكة مائة ذراع، وأكثر، وله أنياب كأنياب الفيل تؤخذ وتباع في بلاد الروم، وتحمل إلى سائر البلاد، وهي أحسن، وأقوى من أنياب الفيل «٢» ، وإذا شق الناب منها يظهر فيه نقوش عجيبة، ويسمونه الجوهر، ويتخذون منه نصبا للسكاكين، وهو مع قوته وحسن لونه ثقيل الوزن كالرصاص.
وفي البحر أيضا سمك يسمى الرعاد إذا دخل في شبكة، فكل من جر تلك الشبكة أو وضع يده عليها أو على حبل من حبالها تأخذه الرعدة حتى لا يملك من نفسه شيئا كما يرعد صاحب الحمى، فإذا رفع يده زالت عنه الرعدة، فإن أعادها عادت إليه الرعدة «٣» ، وهذا أيضا من العجائب، فسبحان الله جلت قدرته.
وقال صاحب تحفة الألباب: حدثني الشيخ أبو العباس الحجازي قال: حدثني رجل يعرف بالهاروني من ولد هارون الرشيد أنه ركب سفينة في بحر الهند، فرأى طاووسا قد خرج من البحر أحسن من طاووس البر وأجمل ألوانا. قال: فكبر بالحسنة فجعل يسبح وينظر لنفسه، وينشر أجنحته، وينظر إلى ذنبه ساعة، ثم غاص في البحر «٤» .
وفي البحر دابة يقال لها: الدرفين «٥» تنجي الغريق لأنها تدنو منه حتى تضع يده على ظهرها، فيستعين بالإتكاء عليها، ويتعلق بها، فتسبح به حتى ينجيه الله بقدرته، فسبحان من دبّر هذا التدبير اللطيف، وأحكم هذه الحكمة البالغة.
وزعموا أن السمك يتجه نحو الغناء والصوت الحسن، ويصبو لسماعه. وربما قيل إن بعض الصيادين يحفرون في البحر حفائر، ثم يجلسون، فيضربون بالمعازف وآلات الطرب، فيجتمع السمك، ويقع في تلك الحفائر.
وقيل: إن الدرفين وأنواع السمك إذا سمعت صوت الرعد هربت إلى قعر البحر، وقيل: إن خيل البحر توجد بنيل مصر، وهي صفة خيل البر.
وقيل: إنها تأكل التماسيح وربما خرجت فرعت الزرع، وإذا رأى أهل مصر أثر حوافرها حكموا أن ماء النيل ينتهي في طلوعه إلى ذلك المكان.
وقيل: إن في البحر المحيط شيئا يتراءى كالحصون، فيرتفع على وجه الماء ويظهر منه صور كثيرة، ويغيب، ومن عجيب ما حكي أن فيه جزيرة فيها ثلاث مدن عامرة، وهي كثيرة الأمطار، وأهلها يحصدون زرعها قبل جفافه لقلة طلوع الشمس عندهم ويجعلونه في بيت ويوقدون حوله النيران حتى يجف. وعجائبه لا تحصى، ولا يمكن حصرها.
ويقال: إن الإسكندر لما سار إلى بحر الظلمات مر بجزيرة بها أمة رؤوسهم مثل رؤوس الكلاب يخرج من أفواههم مثل لهب النار، وخرجوا إلى مراكبه، وحاربوه، ثم تخلص منهم وسار، فرأى صورا متلونة بألوان شتى وسمكا طوله مائة ذراع، وأكثر، وأقل، فسبحان الله تعالى ما أكثر عجائب خلقه.
ويقال أنه مر في بعض الجزائر على قصر مصنوع من البلور على قلعة محكمة البناء وحولها قناديل لا تطفأ، ومن جزائر البحر جزيرة القمر «٦» يقال إن بها شجرا طول الشجرة مائتا ذراع، ودور ساقها مائة وعشرون ذراعا، وبها طوائف من السودان عرايا الأبدان يلتحقون بورق الشجر وهو ورق يشبه ورق الموز لكنه أسمك وأعرض وأنعم، ويقال: إن هذه الجزيرة بالقرب من نيل مصر، وإن هذه الأمة التي بها يتمذهبون بمذهب الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه، وهم في غاية اللطافة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالقرب منهم معدن الذهب والياقوت وبها الفيلة البيض وحيوانات مختلفة الأشكال من الوحوش وغيرهما، وبها العود القماري والآبنوس والطواويس، وبها مدن كثيرة.