كانت ذات ليلة صعدت معه السطح، فنظرت، فرأت نارا من بعد عند الجبانة، فاضطربت، وقالت: ألم تر نيران السعالى، وتغير لونها، وقالت: بنوك وبناتك أوصيك بهم خيرا، ثم طارت ولم تعد إليه، ومنها نوع يقال له:
المذهب يخدم العباد ومقصوده بذلك أن يعجبوا بأنفسهم.
وحكي أن بعض العباد نزل صومعة يتعبد فيها، فأتاه شخص بسراج وطعام، فتعجب العابد من ذلك، فقال له شخص بالصومعة: إنه المذهب يريد أن يخيل لك أن ذلك من كرامتي، والله إني لأعلم أنه شيطان.
وقال بعض الصوفية: المذهب أصناف منهم من يحمل الفانوس بين يدي الشيخ، ومنهم من يأتيه بالطعام والشراب وغير ذلك، ومنهم من ينشد الشعر.
وقال بعض المسافرين: أبق لي غلام، فخرجت في أثره، فإذا أنا بأربعة يتناشدون شعر الفرزدق وجرير. قال:
فدنوت منهم، وسلمت عليهم، فقالوا: ألك حاجة؟
فقلت: لا، فقال بعضهم: تريد غلامك؟ قلت: وما أعلمك بغلامي؟ قال: كعلمي بجهلك. قلت: أو جاهل أنا؟ قال: نعم، وأحمق. قال: ثم غاب وأتاني بالغلام مقيدا، فلما رأيته غشي عليّ، فلما أفقت قال: أنفخ في يده، ففعلت، فانفرج القيد عنه وصرت لا أنفخ في شيء من ذلك ولا في وجع من الأوجاع إلا برىء وخلص صاحبه.
ومنها نوع يقال له: العفريت، يخطف النساء. يقال: إن رجلا اختطفت ابنته في زمن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه. وقال بعض المسافرين: بينما نحن سائرون ذات ليلة إذ عرض لي قضاء الحاجة، فانفردت عن رفقتي، وضللت عنهم، فبينما أنا سائر في أثرهم إذ رأيت نارا عظيمة وخيمة، فجئت إلى جانبها، وإذا أنا بجارية جميلة جالسة فيها، فسألتها عن حالها، فقالت: أنا من فزارة إختطفني عفريت يقال له ظليم وجعلني ههنا، فهو يغيب عني بالليل، ويأتيني بالنهار، فقلت لها امضي معي، فقالت: أهلك أنا وأنت، فإنه يتبعنا ويأتينا، فيأخذني ويقتلك، فقلت: لا يستطيع أخذك ولا قتلي، وما زلت أرددها الحديث حتى رضيت، فأنخت لها ناقتي، فركبتها، وسرت بها حتى طلع الفجر، فالتفت، فإذا أنا بشخص عظيم مهول قد أقبل ورجلاه تخطان في الأرض، فقالت:
ها هو قد أتانا، فأنخت ناقتي وخططت حولها خطا «١» ، وقرأت آيات من القرآن، وتعوذت بالله العظيم، فتقدم وأنشد يقول:
يا ذا الذي للحين يدعوه القدر «٢» خل عن الحسناء «٣» ثم سر وإن تكن ذا خبرة فينا اصطبر «٤» قال، فأجبته:
يا ذا الذي للحين يدعوه الحمق خل عن الحسناء رسلا وانطلق «٥» ما أنت في الجن بأوّل من عشق قال: فتبدى لي في صورة أسد، وجاذبني وجاذبته ساعة، فلم يظفر أحد منا بصاحبه، فلما أيس مني قال:
هل لك في جز ناصيتي، أو إحدى ثلاث خصال؟ قلت:
وما هن؟ قال: مائتان من الإبل، أو أخدمك أيام حياتي، أو ألف دينار الساعة، وخلّ بيني وبين الجارية، فقلت لا أبيع ديني بدنياي، ولا حاجة لي بخدمتك، فاذهب من حيث أتيت. قال: فانطلق، وهو يتكلم بكلام لا أفهمه، وسرت بالجارية إلى أهلها، وتزوجت بها، وجاءني منها أولاد.
وقيل: لما سخر الله تعالى الجن لسليمان عليه الصلاة والسلام نادى جبريل عليه السلام: أيها الجن أجيبوا نبي الله سليمان بن داود بإذن الله تعالى، قال: فخرجت الجن والشياطين من الجبال والكهوف والغيران «٦» والأودية والفلوات والآجام وهم يقولون: لبيك لبيك والملائكة تسوقهم سوق الراعي للغنم حتى حشرت بين يدي سليمان عليه الصلاة والسلام طائعة ذليلة، وكانوا إذا ذاك أربعا وعشرين فرقة، فنظر إلى ألوانها، فإذا هي سود وشقر ورقط وبيض وصفر وخضر، وعلى صور جميع الحيوانات، ومنهم من رأسه رأس أسد وبدنه بدن الفيل،