وتنفر من ريح المسك والورد وإذا شمت الرائحة الطيبة ماتت لوقتها.
وإذا رأيت الرجل يصنع بنفسه كما تصنع المرأة لبعلها، يبيض ثيابه ويعدل عمامته وينظر في عطفيه، فألحقه بعالم الطواويس.
وإذا بليت بإنسان حقود لا ينسى الهفوات ويجازي بعد المدة الطويلة على السقطات، فألحقه بعالم الجمال، والعرب تقول أحقد من جمل، فتجنب قرب الرجل الحقود.
وعلى هذا النمط فليحترز العاقل من صحبة الأشرار وأهل الغدر ومن لا وفاء لهم فإنه إذا فعل ذلك سلم من مكائد الخلق وأراح قلبه وبدنه والله أعلم.
وأما الزيارة والاستدعاء إليها فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: وجبت محبتي للمتحابين فيّ والمتباذلين فيّ والمتزاورين فيّ، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي» . وقال صلى الله عليه وسلم: «من عاد مريضا أو زار أخا نادى مناد أن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا» . وقيل: المحبة شجرة أصلها الزيارة.
قال الشاعر:
زر من تحبّ وإن شطّت بك الدار ... وحال من دونه حجب وأستار «١»
لا يمنعنّك بعد من زيارته ... إن المحبّ لمن يهواه زوّار
ولكن الزيارة غبا لقوله صلى الله عليه وسلم: «زر غبا تزدد حبّا» «٢» .
قال الشاعر في معنى ذلك:
عليك بإغباب الزيارة إنّها ... إذا كثرت صارت إلى الهجر مسلكا
ألم تر أن الغيث يسأم دائما ... ويسأل بالأيدي إذا هو أمسكا
ويقال الإكثار من الزيارة ممل، والإقلال منها مخل «٣» .
وكتب صديق إلى صديقه هذا البيت:
إذا ما تقاطعنا ونحن ببلدة ... فما فضل قرب الدار منّا على البعد
وقال آخر:
وإن مروري بالديار التي بها ... سليمى ولم ألمم بها لجفاء
وقال آخر:
قد أتانا من آل سعدى رسول ... حبّذا ما يقول لي وأقول
وقال آخر:
أزور بيوتا لاصقات ببيتها ... وقلبي في البيت الذي لا أزوره
وزار محمد بن يزيد المهلبي المستعين ووهب له مائتي ألف درهم، وأقطعه أرضا فقال:
وخصصتني بزيارة أضحى لنا ... مجدي بها طول الزمان مؤثل
وقضيت ديني وهو دين وافر ... لم يقضه مع جوده المتوكّل
وكتب المأمون إلى جاريته الخيزران «٤» يستدعيها للزيارة:
نحن في أفضل السرور ولكن ... ليس إلا بكم يتمّ السرور
عيب ما نحن فيه يا أهل ودي ... أنّكم غبتم ونحن حضور
فأجدّوا المسير بل إن قدرتم ... أن تطيروا مع الرياح فطيروا
وقيل لفيلسوف: أي الرسل أنجح؟ قال: الذي له جمال وعقل. وقيل: إذا أرسلتم رسولا في حاجة، فاتخذوه حسن الوجه حسن الاسم. وقال لقمان لابنه: يا بني لا تبعث رسولا جاهلا، فإن لم تجد حكيما عارفا، فكن رسول نفسك.
وقال بعضهم:
إذا أبطأ الرسول فقل نجاح ... ولا تفرح إذا عجل الرسول
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.