فإنّك لم يخنك أخ أمين ... ولكن قلّما تلقى أمينا
وقال آخر:
تحبّ عدوي ثم تزعم أنّني ... أودّك إن الرأي عنك لعازب «١»
وليس أخي من ودّني بلسانه ... ولكن أخي من ودّني وهو غائب
ومن ماله مالي إذا كنت معدما ... ومالي له إن أعوزته النوائب «٢»
ولما غضب السلطان على الوزير ابن مقلة وأمر بقطع يده لما بلغه أنه زوّر عنه كتابا إلى أعدائه وعزله، لم يأت إليه أحد ممن كان يصحبه ولا توجع له، ثم إن السلطان ظهر له في بقية يومه أنه بريء مما نسب إليه فخلع عليه ورد إليه وظائفه، فأنشد يقول هذه الأبيات:
تحالف الناس والزمان ... فحيث كان الزمان كانوا
عاداني الدهر نصف يوم ... فانكشف النّاس لي وبانوا
يا أيّها المعرضون عنّا ... عودوا فقد عاد لي الزمان
ومثله في المعنى:
أخوك أخوك من يدنو وترجو ... مودّته وإن دعي استجابا
إذا حاربت حارب من تعادي ... وزاد سلاحه منك اقترابا
وقال أبو بكر الخالدي:
وأخ رخصت عليه حتى ملّني ... والشيء مملول إذا ما يرخص
ما في زمانك من يعزّ وجوده ... إن رمته إلّا صدق مخلص «٣»
فيجب على الإنسان أن لا يصحب إلا من له دين وتقوى، فإن المحبة في الله تنفع في الدنيا والآخرة وما أحسن ما قال بعضهم:
وكلّ محبّة في الله تبقى ... على الحالين من فرج وضيق
وكلّ محبّة فيما سواه ... فكالحلفاء في لهب الحريق «٤»
فينبغي للإنسان أن يجتنب معاشرة الأشرار ويترك مصاحبة الفجار ويهجر من ساءت خلته وقبحت بين الناس سيرته. قال الله تعالى: الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ٦٧
«٥» . وقال تعالى: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ
«٦» فأثبت الله المماثلة بيننا وبين البهائم وذلك إنما هو في الأخلاق خاصة، فليس أحد من الخلق إلا وفيه خلق من أخلاق البهائم، ولهذا تجد أخلاق الخلائق مختلفة فإذا رأيت الرجل جاهلا في خلائقة غليظا في طبائعه قويا في بدنه لا تؤمن ضغائنه فألحقه بعالم النمورة «٧» ، والعرب تقول:
أجهل من نمر وإذا رأيت الرجل هجاما على أعراض الناس فقد ماثل عالم الكلاب فإن دأب الكلب أن يجفو من لا يجفوه ويؤذي من لا يوذيه، فعامله بما كنت تعامل به الكلب إذا نبح، ألست تذهب وتتركه؟
وإذا رأيت إنسانا قد جبل على الخلاف إن قلت نعم قال لا، وإن قلت لا قال نعم، فألحقه بعالم الحمير، فإن دأب الحمار إن أدنيته بعد وإن أبعدته قرب، فلا تنتفع به ولا يمكنك مفارقته.
وإن رأيت إنسانا يهجم على الأموال والأرواح فألحقه بعالم الأسود وخذ حذرك منه كما تأخذ حذرك من الأسد.
وإذا بليت بإنسان خبيث كثير الروغان فألحقه بعالم الثعالب.
وإذا رأيت من يمشي بين الناس بالنميمة ويفرق بين الأحبة فألحقه بعالم الظربان، وهي دابة صغيرة تقول العرب عند تفرق الجماعة مشى بينهم ظربان فتفرقوا.
وإذا رأيت إنسانا لا يسمع الحكمة والعلم وينفر من مجالسة العلماء ويألف أخبار أهل الدنيا، فألحقه بعالم الخنافس، فإنه يعجبها أكل العذرات وملامسة النجاسات