وأما آداب المسايرة فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تعاقب هو وعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورجل آخر من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين في سفر على بعير، فكان إذا جاءت نوبته في المشي مشى، فيعزمان عليه أن لا يمشي فيأبى ويقول:
ما أنتم بأقدر مني على مشي وما أنا بأغنى منكم عن أجر، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تتخذوا ظهور الدواب كراسي» .
وقيل: لا تتقدم الأصاغر على الأكابر إلا في ثلاث: إذا ساروا ليلا أو خاضوا سيلا أو واجهوا خيلا. وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ أخاه في ثلاث، في نكبته وغيبته ووفاته.
وأما ما جاء في الإخوان القليلي الموافاة العديمي المكافأة الذين ليس عندهم لصديق مصافاة:
فقال وهب بن منبه: صحبت الناس خمسين سنة فما وجدت رجلا غفر لي زلة ولا أقالني عثرة ولا ستر لي عورة. وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: إذا كان الغدر طبعا، فالثقة بكل أحد عجز. وقيل لبعضهم: ما الصديق؟ قال: اسم وضع على غير مسمى وحيوان غير موجود «١» .
قال الشاعر:
سمعنا بالصديق ولا نراه ... على التحقيق يوجد في الأنام
وأحسبه محالا نمّقوه ... على وجه المجاز من الكلام «٢»
وقال أبو الدرداء: كان الناس ورقا لا شوك فيه، فصاروا شوكا لا ورق فيه، وقال جعفر الصادق لبعض إخوانه: أقلل من معرفة الناس وأنكر من عرفت منهم، وإن كان مائة صديق فاطرح تسعة وتسعين وكن من الواحد على حذر.
وقيل لبعض الولاة: كم لك صديق؟ فقال أما في حال الولاية فكثير، وأنشد:
الناس إخوان من دامت له نعم ... والويل للمرء إن زلّت به القدم
ولما نكب علي بن عيسى الوزير لم ينظر ببابه أحدا من أصحابه الذين كانوا يألفونه في ولايته، فلما ردت إليه الوزارة وقف أصحابه ببابه ثانيا فقال:
ما الناس إلّا مع الدنيا وصاحبها ... فكلما انقلبت يوما به انقلبوا
يعظّمون أخا الدنيا فإن وثبت ... يوما عليه بما لا يشتهي وثبوا
وقال آخر:
فما أكثر الأصحاب حين نعدّهم ... ولكنّهم في النائبات قليل
وقال البحتري:
إيّاك تغترّ أو تخدعك بارقة ... من ذي خداع يري بشرا وألطافا
فلو قلبت جميع الأرض قاطبة ... وسرت في الأرض أوساطا وأطرافا
لم تلق فيها صديقا صادقا أبدا ... ولا أخا يبذل الإنصاف إن صافى «٣»
وقال بعضهم في المعنى أيضا:
خليليّ جربت الزمان وأهله ... فما نالني منهم سوى الهمّ والعنا «٤»
وعاشرت أبناء الزمان فلم أجد ... خليلا يوفيّ بالعهود ولا أنا
وقال آخر:
لما رأيت بني الزّمان وما بهم ... خلّ وفيّ للشدائد أصطفي «٥»
فعلمت أنّ المستحيل ثلاثة ... الغول والعنقاء والخلّ الوفي
بيت مفرد:
وكلّ خليل ليس في الله ودّه ... فإنّي به في ودّه غير واثق
قال آخر:
إذا ما كنت متّخذا خليلا ... فلا تأمن خليلك أن يخونا