للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما مشى إليه ورآه الجمل برك لديه وجعل يمر بمشرفه على الأرض بين يديه، تذللا وتسخيرا؛ فقال : «هات الخطام» فلما خطمه ورأى الناس يعجبون منه؛ ردّ رأسه إليه فقال: «ألا تعجبون» - أو كما قال - «إنه ليس شيء بين السماء والأرض إلا يعلم أني رسول الله، غير عاصي الجن والإنس» (١).

وثبت في الصحاح عن النبي أنه قال: «ما من دابة إلا وهي مصيخة بأذنها يوم الجمعة تنتظر قيام الساعة» (٢).

وقال : «لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شجر ولا مدر ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة» (٣).

قال المؤلف : خرجه مالك في «موطئه» وابن ماجه في «سننه» واللفظ له من حديث أبي سعيد الخدري.

وقد تقدم أن الميت يسمع صوته كل شيء إلا الإنسان، وفي رواية إلا الثقلين. والأخبار في هذا المعنى كثيرة، قد أتينا على جملة منها في هذا الكتاب، فكل حيوان وجماد محشور لما عنده من الإدراك والمشاهدة والحضور، من حيث هي لا من حيث نحن. قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [الإسراء: ٤٤] وقال: ﴿وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ﴾ [الرعد: ١٥] وقال عز من قائل: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ﴾ [الحج: ١٨] لا يقال إن هذا السجود والتسبيح بلسان حال، ليس بلسان المقال، فإنا نقول هذا مجاز (٤)، والله سبحانه يقص الحق كما أخبر في كتابه: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ﴾ [الأنعام: ٥٧].

ومن نظر بنور الله جاز العين إلى المعنى، وحل الرمز وفك المعمى. وهم


(١) أخرجه أحمد (٣/ ٣١٠) وأبو نعيم في «دلائل النبوة» رقم (٢٧٩) والبزار (٣/ ١٥٠ - ٢٤٥٢/ ١٥١). وإسناده ضعيف؛ انظر «مجمع الزوائد» (٩/ ٧).
(٢) أخرجه مالك في «الموطأ» (١/ ٦٨ - ٦٩) كتاب الجمعة - باب فضل يوم الجمعة وليلة الجمعة. وأحمد (٢/ ٤٨٦ - ٥٠٤) وأبو داود (١٠٤٦) والترمذي (٤٩١) وغيرهم. وإسناده صحيح؛ انظر «إرواء الغليل» (٣/ ٢٢٨).
(٣) أخرجه البخاري (٦٠٩، ٣٢٩٦، ٧٥٤٨) والإمام مالك في «الموطأ» (١/ ٤٤) -٣ - كتاب الصلاة - (١) باب ما جاء في النداء للصلاة. وابن ماجه (٧٢٣).
(٤) انظر في ذلك: «بطلان المجاز وأثره في إفساد التصور وتعطيل النصوص» لمصطفى عيد الصياصنة. و «الرد الجميل لإلهية عيسى بصريح الإنجيل» ص ٣٥ - ٣٧ (الهامش) ط. المكتبة العصرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>