للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قيل: جنة المأوى اسم لجميع الجنان، يدل عليه أنه تعالى قال: ﴿فَلَهُمْ جَنّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٩].

والجنة اسم الجنس، فمرة يقال: جنة، ومرة يقال: جنات. وكذلك جنة عدن، وجنات عدن، لأن العدن: الإقامة، وكلّها دار الإقامة، كما أن كلها مأوى المؤمنين، وكذلك دار الخلد ودار السلام لأن جميعها للخلد والسلامة من كل خوف وحزن، وكذلك جنات النعيم وجنة النعيم، لأن كلها مشحونة بأصناف النعيم، ذكره الحليمي في كتاب «منهاج الدين» له، وقال: إنما منعنا أن نجعل كل واحدة من العدن والمأوى والنعيم جنة سوى الأخرى؛ لأن الله تعالى إن كان سمي شيئا من هذه الأسماء جنة في موضع فقد سمى الجنات كلها بذلك الاسم في موضع آخر، فعلمنا أن هذه الأسماء ليست لتميز جنة من جنة ولكنها للجنان أجمع، لا سيما وقد أتى الله بذكر العدد فلم يثبت إلا أربعا.

وقد أثبت لهذه الجنان أبوابا فقال: ﴿وَفُتِحَتْ أَبْوابُها﴾ [الزمر: ٧٣]، وقال : «إن أبواب الجنة ثمانية». فيحتمل أن يكون ذلك، لأن لكل جنة من الجنان الأربع بابين، ووصف أهل الجنة فصنفهم صنفين أحدهما السابقون المقربون، والآخرون أصحاب اليمين، فعلمنا أن السابقين أهل الجنتين العليتين في قوله: ﴿وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ﴾ وأهل اليمين أهل الجنتين الدنيتين في قوله: ﴿وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ﴾ وبهذا جاءت الروايات.

وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ﴾ إلى قوله: ﴿وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ﴾ قال: فتلك للمقربين، وهاتان لأصحاب اليمين.

وعن أبي موسى الأشعري نحو ذلك (١).

قوله تعالى: ﴿يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً﴾ [الحج: ٢٣] قال المفسرون: ليس أحد من أهل الجنة إلا وفي يده ثلاثة أسورة سوار من ذهب، وسوار من فضة، وسوار من لؤلؤ. وقال هنا: ﴿مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً﴾ وقال في آية أخرى: ﴿وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ﴾ [الإنسان: ٢١].

وفي الصحيح: «تبلغ حلية المؤمن حيث يبلغ الوضوء» (٢).

وقرئ «لؤلؤا» بالنصب على معنى ويحلّون لؤلؤا وأساورا؛ جمع أسورة،


(١) أخرجه الحاكم (١/ ٨٤) و (٢/ ٤٧٤، ٤٧٥) وابن أبي شيبة في «المصنف» (١٣/ ٣٨٣) والبيهقي في «البعث والنشور» (٢١٩) وأبو نعيم في «صفة الجنة» (١٤٢). وصحّحه الحاكم، ووافقه الذهبي.
(٢) أخرجه مسلم (٢٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>