للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكره الثقة العدل أبو إسحاق إبراهيم بن الحسين الكسائي الهمداني المعروف بابن زريك وهو الملقب بسفينة، وسفينة طائر إذا وقع على الشجرة لم يقم عنها ويترك فيها شيئا وهو في تلك الليالي هي ليلة الهرير جعل يهر بعضهم على بعض، والهرير الصوت يشبه النباح لأنهم تراموا بالنبل حتى فنيت وتطاعنوا بالرماح حتى اندقت، وتضاربوا بالسيوف حتى انقصفت، ثم نزل القوم يمشي بعضهم إلى بعض قد كسروا جفون سيوفهم واضطربوا بما بقي من السيوف وعمد الحديد فلا تسمع إلا غمغمة القوم والحديد في إلهام، ولما صارت السيوف كالمناجل تراموا بالحجارة ثم جثوا على الركب فتحاثوا بالتراب، ثم تكادموا بالأفواه وكسفت الشمس وثار القتام وارتفع الغبار وضلّت الألوية والرايات، ومرت أوقات أربع صلوات، لأن القتال كان بعد صلاتهم صلاة الصبح واقتتلوا إلى نصف الليل (١). وذلك في شهر ربيع الأول سنة تسع وثلاثين. قال الإمام أحمد بن حنبل في تاريخه، وقال غيره في شهر ربيع الأول.

وكان أهل الشام يوم صفين خمسة وثلاثين ومائة وألف وكان أهل العراق عشرين أو ثلاثين ومائة وألف (٢). ذكره الزبير بن بكار أبو عبد الله القاضي العدل قال: حدثني عمر بن أبي بكر المؤملي، عن زكريا بن عيسى، عن ابن شهاب، عن محمد بن عمرو بن العاص وكان ممن شهد صفين وأبلى فيه، وفيه يقول:

فلو شهدت جمل مقامي ومشهدي … بصفين يوما شاب منها الذوائب

غداة أتى أهل العراق كأنهم … من البحر لجّ موجه متراكب

وجئناهم نمشي كأن صفوفنا … سحائب غيث رفعتها الجنائب

ويروي شهاب: حريق رفعته الجنائب.

وقالوا لنا إنا نرى أن تبايعوا … عليّا فقلنا بل نرى أن نضارب

وطارت إلينا بالرماح كماتهم … وطرنا إليهم بالأكفّ قواضب

إذا نحن قلنا استهزموا عرضت لنا … كتائب منهم واشمأزت كتائب


(١) ولا مستند لهذا وما قبله من المبالغات التي كان الأولى تنزيه مثل هذا الكتاب عنها، لكن: «لله الأمر من قبل ومن بعد».
وقد أخرج ابن أبي شيبة في «مصنفه» بإسناد صحيح - كما قال الحافظ في «الفتح» (١٣/ ٦٢) - أن القتال نشب بعد الظهر فما غربت الشمس إلا وانتهت المعركة. استفدته من «المصدر السابق».
(٢) أخرج الطبري في «تاريخه» بإسناد حسن (٤/ ٥٠٦) من طريق محمد بن الحنفية أن تعداد جيش علي كان تسعة آلاف وسبعمائة رجل تقريبا. وكان تعداد جيش أهل الشام قريبا منه. فأين هذا العدد من الذي ذكره المصنف؟!

<<  <  ج: ص:  >  >>