للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خدودهن في التراب، وأهملن دموعهن بالانسكاب، واستوهبوني من العزيز الوهاب، فغفر لي الذنوب والأوزار، واستنقذني من النار، وأسكنني دار القرار، بجواز محمد المختار، فإذا رأيت بناتي فأعلمهن بأمري، وما كان من قصتي، ليزول عنهن روعهن، ويفارقهن حزنهن، وتعلمهن أني قد صرت إلى جنات وحور، ومسك وكافور، وعندي غلمان وسرور، وقد عفا عني العزيز الغفور.

قال الحارث: فاستيقظت فرحا مسرورا لما رأيت وسمعت، ثم مضيت إلى داري وبت ليلتي، فلما أصبحت أتيت القبر فوجدتهن حافيات الأقدام، فسلمت عليهن وقلت لهن: أبشرن فقد رأيت أباكن في خير عظيم، وملك مقيم، وقد أعلمني أن الله تعالى أجاب دعاءكن، ولم يخيب مسعاكن، وقد وهب لكن أباكن فاشكرنه على ما أولاكن.

قال فقالت الصغرى: اللهم يا مؤنس القلوب، ويا ساتر العيوب، ويا كاشف الكروب، ويا غافر الذنوب، ويا عالم الغيوب، ويا مبلغ الأمل المطلوب؛ قد علمت ما كان من مسألتي ورغبتي واعتذاري في خلوتي، واستقالتي من ذلتي، وتنصلي من خطيئتي، وأنت اللهم تعلم همتي، والمطلع على نيتي، والعالم بطويتي، ومالك رقبتي والآخذ بناصيتي، وغايتي في طلبتي، ورجائي عند شدتي، ومؤنسي في وحدتي، وراحم عبرتي، ومقيل عثرتي، ومجيب دعوتي، فإن كنت قصرت عما أمرتني، وركبت إلى ما عنه نهيتني، فبحلمك حملتني، وبسترك سترتني، فبأي لسان أذكرك، وعلى أي نعمك أشكرك، ضاق بكثرتها ذرعي فيا أكرم الأكرمين، ومنتهى غاية الطالبين، ومالك يوم الدين، الذي يعلم ما أخفى في الضمير، ويدبر أمر الصغير والكبير، فإن كنت قضيت الحاجة بفضلك، وشفعتني في عبدك؛ فاقبضني إليك وأنت على كل شيء قدير، ثم صرخت صرخة فارقت الدنيا، رحمة الله عليها.

قال: ثم قامت الثانية فنادت بأعلى صوتها: يا رب فرّج كربي، وخلّص من الشك قلبي، يا من أقامني من صرعتي، وأقالني من عثرتي، ودلّني من حيرتي، وأعانني في شدتي. إن كنت قبلت دعوتي، وقضيت حاجتي، ونجحت طلبتي، فألحقني بأختي، ثم صاحت صيحة فارقت الدنيا، رحمة الله عليها.

قال: ثم قامت الثالثة: فنادت بأعلى صوتها يا أيها الجبار الأعظم، والملك الأكرم، العالم بمن سكت وتكلم، لك الفضل العظيم والملك القديم والوجه الكريم، العزيز من أعززته، والذليل من أذللته، والشريف من شرفته، والسعيد من أسعدته، والشقي من أشقيته، والقريب من أدنيته، والبعيد من أبعدته، والمحروم

<<  <  ج: ص:  >  >>