للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسألت، فلما كان في اليوم الثاني حدثتني امرأة تعرفها وتعرفني قالت لي: رأيت البارحة فلانة في النوم - تعني الميتة المذكورة - في مجلس حسن، في دار حسنة، وقد أخرجت لنا أطباقا من تحت سرير كان في البيت، والأطباق مملوءة قوارير أنوار، فقالت لي: هذا أهداه لي صاحب بيتي قال: وما كنت أعلمت بذلك أحدا.

قال الشيخ المؤلف : وفي هذا المعنى حديث مرفوع من حديث أنس يأتي في باب «ما يتبع الميت إلى قبره». وقد قيل: إن ثواب القراءة للقارئ، وللميت ثواب الاستماع، ولذلك تلحقه الرحمة. قال تعالى: ﴿وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠٤].

قلت: ولا يبعد في كرم الله تعالى أن يلحقه ثواب القراءة والاستماع جميعا، ويلحقه ثواب ما يهدى إليه من قراءة القرآن، وإن لم يسمعه كالصدقة والدعاء والاستغفار لما ذكره، ولأن القرآن دعاء واستغفار وتضرع وابتهال، وما يتقرب المتقربون إلى الله تعالى بمثل القرآن.

قال : يقول الرب : «من شغله قراءة القرآن عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين». رواه الترمذي (١)، وقال فيه: حديث حسن غريب. وقال : «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث؛ صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» (٢). والقراءة في معنى الدعاء، وذلك صدقة من الولد، ومن الصاحب والصديق والمؤمنين، حسب ما ذكرناه، وبالله التوفيق.

فإن قيل: فقد قال الله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى﴾ [النجم: ٣٩] وهذا يدل على أنه لا ينفع أحدا عمل أحد. قيل له: هذه آية اختلف في تأويلها أهل التأويل.

فروي عن ابن عباس: أنها منسوخة بقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاِتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ [الطور: ٢١]، فيجعل الولد الطفل يوم القيامة في ميزان أبيه ويشفع الله تعالى الآباء في الأبناء والأبناء في الآباء (٣). يدل على ذلك قوله تعالى:

﴿آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً﴾ [النساء: ١١]. وقال الربيع بن أنس:


(١) في «سننه» (٢٩٢٦)، وهو حديث ضعيف، انظر «ضعيف سنن الترمذي» رقم (٥٦٢) و «السلسلة الضعيفة» (١٣٣٥).
(٢) أخرجه مسلم (١٦٣١).
(٣) قال ابن الجوزي في «نواسخ القرآن» ص ٢٣٣: «قلت: قول من قال: إن هذا نسخ؛ غلط، لأن الآيتين خبر، والأخبار لا يدخلها النسخ، ثم إن إلحاق الأبناء بالآباء إدخالهم في حكم الآباء بسبب إيمان الآباء، فهم كالبعض تبع الجملة، ذلك ليس لهم إنما فعله الله سبحانه بفضله، وهذه الآية تثبت ما للإنسان، إلا ما يتفضل به عليه».

<<  <  ج: ص:  >  >>