للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الله الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالعفو، قال تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} (١)، وقال تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (٢)، وقد بيّن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فضل العفو فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله" (٣).

وقد عفا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عمن أساء في مواضع عدة، منها ما كان منه - صلى الله عليه وسلم - مع ثمامة بن أثال - رضي الله عنه - عندما أسرته سرية من سرايا الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأتت به إلى المدينة فربط في المسجد فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمر عليه فيقول له: "ما عندك يا ثمامة؟ " فيقول: عندي خير يا محمد، إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت، فيتركه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويعود عليه من الغد ويسأله ويرد بمثل قوله، ولما كان بعد غد سأله - صلى الله عليه وسلم - ورد بمثل قوله الأول، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "أطلقوا ثمامة"، فانطلق واغتسل وأسلم (٤)؛ فكان لعفو الرسول - صلى الله عليه وسلم - أثر في إسلام ثمامة - رضي الله عنه -، كما أن عفو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أهل مكة بعد الفتح كان له الأثر الكبير في إسلامهم، وغير ذلك من المواقف التي تجلى فيها عفو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كان بياناً لصحابته، ودرساً يستمدون منه التعاليم النبوية، ومنها خلق العفو، الذي جعلوه من أخلاقهم؛ فهذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: "كل الناس مني في حل" (٥).


(١) سورة آل عمران، الآية: ١٥٩.
(٢) سورة المائدة، الآية: ١٣.
(٣) صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والأدب، باب استحباب العفو والتواضع، رقم ٦٥٩٢، ص ١١٣١.
(٤) انظر الحديث في صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب وفد بني حنيفة، وحديث ثمامة بن أثال، رقم ٤٣٧٢، ص ٧٤١.
(٥) الآداب الشرعية، ابن مفلح، ١/ ٨٨.

<<  <   >  >>