للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فخاطب الرسول هذا الرجل بأسلوب يحكم فيه عقله بما يمكن أن يستوعبه، وهو أنه يملك إبلاً، فكان أقرب إلى فهمه، فقرره بأسلوب عقلي بسيط. وقد كان لأسلوب المحاكمات العقلية أثر واضح في دعوة الصحابة - رضي الله عنهم -، فعندما حضر سعد بن معاذ إلى مصعب بن عمير متشتماً دعاه مصعب إلى الاستماع إليه، ثم قرأ عليه أول سورة الزخرف (١)، فُعرف في وجهه الإسلام عند استماعه إلى هذه السورة، وبداية هذه السورة مخاطبة للعقل في قوله تعالى: {حم (١) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} (٢).

ففي هذه الآيات دعوة إلى العقل وأصحابه، وذلك في قوله: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}، فأثارت عقل سعد بن معاذ حتى أسلم في الحال - رضي الله عنه -. وكما في دعوة فاطمة بنت الخطاب لأخيها عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما -، بإعطائه الصحيفة وفيها سورة طه حتى قرأ فيها ما جعله الله سبباً ليحرك عقله ويستثيره ليحكم على الحق ويتبع طريق الرشاد (٣)، ففي سورة طه قوله تعالى: {إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (٣) تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (٤) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (٦) وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى (٧) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (٤). ففي هذه


(١) انظر: دلائل النبوة، البيهقي، ٢/ ٣١٧.
(٢) سورة الزخرف، الآيات: ١ - ٣.
(٣) يذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق أنه قرأ من أول سورة طه حتى قوله تعالى (فتردى) الآية: ١٦، ويقول البيهقي في الدلائل إنه قرأ إلى الآية: ١٤ من سورة طه، وكذلك قال الذهبي في تاريخ الإسلام.
(٤) سورة طه، الآيات: ٣ - ٨.

<<  <   >  >>