للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المفني" (١)، فنسبوا الحياة إلى الطبع المحسوس وأنه هو الذي يوفر الحياة للبشر، وأن الدهر هو من يفني، ويقول الرازي: "إنهم يقولون إن تولُّد الأشخاص إنما كان بسبب حركات الأفلاك الموجبة لامتزاج الطباع، وإذا وقعت تلك الامتزاجات على وجه خاص حصلت الحياة، وإذا وقعت على وجه آخر حصل الموت، فالموجب للحياة والموت تأثيرات الطبائع وحركات الأفلاك" (٢).

وهؤلاء الدهريون هم من يسميهم شيخ الإسلام بالفلاسفة الدهرية الذين يزعمون أن السموات أزلية قديمة لم تزل، وأن الله لا يفعل شيئاً بمشيئته، ولا يجيب دعاء الداعي، بل ولا يعلم الجزئيات ولا يعرف هذا الداعي من هذا الداعي، ولا يعرف إبراهيم من موسى من محمد وغيرهم بأعيانهم من رسله، بل منهم من ينكر علمه مطلقاً، ومنهم من يقول إنه يعلم الكليات كابن سينا وأمثاله (٣).

ويبين هنا شيخ الإسلام أن الدهرية هم من العرب، وقد وافقوا أقوال الفلاسفة اليونان وغيرهم من الأمم الأخرى، وقد أثر ذلك فيمن دخل علم الفلسفة من المسلمين مثل ابن سينا، مما جعله يقول قولهم ويحيد عن جادة الصواب. وعن تلاعب الشيطان بهؤلاء الدهرية، يقول ابن القيم: "هؤلاء قوم عطلوا المصنوعات عن صانعها، وقالوا ما حكاه الله عنهم: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}، وهؤلاء فرقتان: فرقة قالت:


(١) الملل والنحل، الشهرستاني، القسم الثاني، الجزء الثالث، ص ٢١٥.
(٢) التفسير الكبير، الرازي، المجلد الرابع عشر، الجزء السابع والعشرون، ص ٢٣١.
(٣) انظر: الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، ابن تيمية، ١/ ٣٥٣.

<<  <   >  >>