للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حتى أتيت الشريف أبا محمد بالدينور فأخبرته، وكان المرء لا يمين [١] في القول، ولا يدين إلا بالحق، فقال: سهرنا ذات ليلة في مجلس الأستاذ ذي الكفايتين [٢] وأبو العباس حاضر، وجرت مسألة في الإمامة تنازعها الأقوام، وطال فيها الخصام، إلا أن أبا العباس دون الجماعة تقلد المناصبة وأعلن الخلاف، رافعا عقيرته بالتشغيب منهم، ومظهرا شكيمته في التعصّب عليهم، وتقوّض الليل وانفضت الجماعة، وقمنا معاشر أل أبي طالب، وكلّ منه مغتاظ، وعليه محنق، فجمعتنا الدار من غد للعادة، وقد حضر الطعام، وأحمد في جملة الأدباء منتظر، فعاد داعيه بهذه الرقعة، وعرضها عليّ، وأنا قرأتها بخطه الذي أعرفه إليّ، وهو اليوم محتفظ عند القوم بالدينور، وهذا ما أحضر الذكر منها، عدنا عن مجلس مولانا البارحة، وقد اشتدت شكيمتي على الجماعة الحاضرة من آل أبي طالب عليهم السلام، عند المسألة التي جرت في الإمامة، واضطجعت مهموما، فاذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه [٩١ ظ] ، قد هجم عليّ آخذا بعضادتي الباب، متقلدا سيفين؛ قضيبا وصمصامة [٣] ، وصرخ بي متلظيا: يا أحمد، ما بالي وبالك، ما أردت من ولدي البارحة، فكأني كنت ألجأ إلى الأستاذ وأتعلق


[١] لا يمين: لا يكذب، والمين الكذب.
[٢] ذو الكفايتين: علي بن محمد بن الحسين، أبو الفتح ابن العميد، وزير من الكتاب الشعراء الأذكياء، يلقب بذي الكفايتين، وهو ابن أبي الفضل (ابن العميد) الوزير المشهور (المتوفى سنة ٣٦٠ هـ) خلف أباه في وزارة ركن الدولة البويهي بالري ونواحيها سنة ٣٦٠ هـ، ولقبه الخليفة الطائع لله بذي الكفايتين (السيف والقلم) واستمر إلى أيام مؤيد الدولة (ابن ركن الدولة) ، وأحبته العساكر وقواد الديلم لكرمه وطيب أخلاقه، فخاف آل بويه العاقبة، فقبض عليه مؤيد الدولة وعذبه ثم قتله سنة ٣٦٦ هـ.
(معجم الأدباء ٥/٣٤٧- ٣٧٥، يتيمة الدهر ٣/٢٥، الامتاع والمؤانسة ١/٦٦، نكت الهميان ص ٢١٥، الأعلام ٤/٣٢٥)
[٣] القضيب: اللطيف من السيوف، والقوس، والسيف القطاع.
الصمصامة: السيف لا ينثني، والسيف القاطع يمر في العظام، ويمضي في الضريبة.
(القاموس المحيط: قضب، صمم)

<<  <   >  >>