للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجمعة، وركعت ركعات، وتشفّعت بذلك الجدث المطهّر، وأكثرت التضرّع في سجودي، وعدت إلى داري لا أعقل ما أطأ وجوما وحيرة، وأعدت الاستئذان والناس لي غالب، وكلّ في الإلحاح عليّ عاتب، فوالذي شقّهنّ خمسا من واحدة، ما كان بأسرع وأوحى [١] من أن أتاني الإذن مهنّئا، والمال معجّلا، والكتب مؤكّدة، وسأذكر في هذا الباب ما ليس منه بسبب:

كنت في النصف من شعبان سنة إحدى وسبعين في الاعتقال العضدي الصعب بمدينة السلام، على أقوى درجات اليأس، وكانت طائفة من أصحابنا الشيعة تغشاني، وأنا باك لفوت الزيارة، لاه عمّا فجأني من البشارة، لا أطمع غير الذّماء [٢] ، ولا أرجو سوى البقاء، فكلّ أشار بأن أصلي ركعتين وأقوم كأني سائر زائر، وأخطو خطوات، فاذا ردني الموكلون من الباب قلت: اللهم إنك ترى، وتكون القصة إلى الشهيد بكربلاء عليه السلام، مكتوبة تحمّلها من يزور عني، ففعلت ذلك، فوالله ما وصلت حتى أتاني البشير برفع القيد، فجذبني من كنت على حبل ذراعه من ولاة الأمر، إنهم أمروا بذلك فجأة من غير ذكر تقدّم، وبغتة من غير خلق تكلم.

وكنت دخلت الزيّ [٣] [٩١ و] في آخر سنة خمس وستين، فاستقبلني بعض أشراف العلويين، فسألته عن أحمد بن محمد بن بندار، وكان لي دون أبي صديقا، فقال: وقيذ [٤] من ضربة أمير المؤمنين صلوات الله عليه، فما زادني في قوله على التعجب مرة والتكذيب أخرى، ودخلت يوم ذاك وقد قضى أبو العباس نحبه، وطالت على الأيام،


[١] أوحى: أسرع وأعجل.
[٢] الذماء: بقية الروح في المذبوح وغيره، وقوة القلب.
[٣] كذا جاءت الكلمة (الزي) بالزاي، ولعله يريد الهيئة والمنظر، أي اتخذ الزي العلوي.
وقد تكررت.
[٤] الوقيذ: الذي يغشى عليه، لا يدرى أميت هو أم حي، والشديد المرض المشرف على الموت.

<<  <   >  >>