للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أعجب من الفلك وظلمه، والقدر وحكمه، إذ صارت أيامها تنتقل إلى شرار أكفائها، ويستذري أسوأ أفيائها، فكذلك على رغمها انتقلت من هاشم في محارب، وقد لعمري إنّ هذه عادتها، كشفت بها عن عوارها، بسوء الاختيار، ولؤم النّجار، ولكن الناقص وإن علا مناكب الجوزاء، وامتطى كواهل العلياء، يضؤل إذا التقت عليه المحافل، ويتطامن إذا انبرى له الأفاضل، ويتخاضع إذا جمعته حلبة الرهان، ويتخاشع إذا لزّته [١] حقيقة الامتحان، وذلك أيّدك الله، قالب جهل غطّت عليه نعمة غارت عن ذويها، وحلّيت عن مستحقيها، وثوت عبدة بخد ترب، ودمع منسكب، إذ انتقلت عن مآلفها الكريمة، ومغارسها القديمة، فان تغش قوما غيرهم أو تزرههم، فكالوحش يدنيها من الإنس المحلّ، ومثله لا يعبأ به، ولا يعتب على الدهر فيه، وشاء صدقك أحسن الله توفيقك.

الناس اثنان؛ عالم منصف، وجاهل معاند، فأما الأول: فهو الحجة وعليه العمدة، فقد عرف بروز شأوك في كل علم [٩٩ ظ] ووفور حظّك من كل فضل، فانّ أذربيجان كانت آهلة بشيوخ الوزارة والرياسة من ذوينا، ومأنوسة برجال ناهيك بهم رجالا، وأعلام أكرم بهم أعلاما، فكلّ خلّى لك عن طريق السداد، وسلّم إليك قصب الرشاد، ووفّر عليك حقّ التفضيل، ولم يدفع في صدرك عن منازل التبجيل.

فأما الرأي الجزل، والقول الفصل، والحقّ الصّرف، والحكم العدل، فما يدفعك عنه دافع إلا قلّ، ولا ينازعك فيه منازع إلا ضلّ، وأما عفاف الطعمة، وطيب الحجزة [٢] ، وظلف النفس [٣] ، وعلوّ الهمّة، والترفع عمّا تسفّ إليه دنيات المطامع، والتغمّض عمّا يحتقب المرء منه مخزيات الملاوم، والاحتقار لزبرج الدنيا [٤] التي تستخفّ كلّ حليم، وزخرفها الذي يستفزّ كلّ


[١] لزته: شدته وألصقته وضيقت عليه.
[٢] طيب الحجزة: كناية عن العفاف، والحجزة: موضع شد الإزار من الوسط.
[٣] ظلف النفس: منعها وترفعها عن الدنايا.
[٤] الزبرج: الحلية والزينة من وشي أو جوهر أو نحو ذلك، وزبرج الشيء: حسّنه وزيّنه.

<<  <   >  >>