للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حكيم، فحظّه مسلّم إليك، وحماله موقر عليك، وهذه واحدة لا ينوء بحملها العابد الزاهد، ولا ينهض بعبئها إلا الفارد الشارد.

وقديما قالت الحكماء: الزاهد في الذهب الأحمر أعزّ من الذهب الأحمر، وحدثنا محمد بن علي البصري قال: حدثنا أبو روق عن الرياشي عن الأصمعي، عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال: إنّ الصفاة الزلّاء التي لا تثبت عليها أقدام العلماء، هي المطامع.

وأما الثاني وهو من لا يعبأ به، ولا يعرّج عليه، ولا يشال إليه طرف، ولا يسمع منه حرف، وإنّما يعيب بالصحة على الثقة، ويشكو مرارة الحق، وينكر المقام على وتيرة النصح، وأكبر ما يقال في [١٠٠ و] هذه الطائفة قول الشاعر: [١] [الطويل]

إذا رضيت عني كرام قبيلتي ... فلا زال غضبانا عليّ لئامها

وقد سئل الأحنف [٢] : من سيد القوم؟ فقال: من إذا أقبل هابوه، وإن أدبر اغتابوه، فليهنك أبا الحسن أن يكون الحقّ المرّ غاية ما يعيبك به العائب، والصحة المحضة أقصى ما ينسبه إليك الناسب، فأنت في أعلى رتبة مما نسبك إليه الصديق الناصح، وفي أوسع عذر مما رماك به العدوّ الكاشح، ولقد أحسن حسان في قوله لرجل- أظنه كان يشغب في رسول الله صلى الله عليه وسلم- في كلمة له: [٣] [الوافر]

أتهجوه ولست له بكفء ... فشركما لخيركما الفداء

أدركني ذهني في هذا الموضع، فقلت: لعل بعض من يحضر مجلسك


[١] البيت دون نسبة في الدر الفريد ١/٣٢٣.
[٢] الأحنف: هو الأحنف بن قيس سيد تميم، وقد سبقت ترجمته.
[٣] البيت لحسان بن ثابت في ديوانه ١/١٨، ط- وليد عرفات، من قصيدة في فتح مكة، والمخاطب في البيت هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، قبل أن يسلم، وكان يهاجي المسلمين قبل فتح مكة، وقد وهم بعض ناشري الديوان في بيروت أن المقصود هو أبو سفيان صخر بن حرب، والد معاوية، ولم يكن هذا شاعرا، بل كان قائد المشركين في حروبه على المسلمين.

<<  <   >  >>