ويسجد، فقلت: أبا قاسم ارفق بنفسك. فقال: يا أبا محمّد هو ذا صحيفتي تطوى، وأنا أحوج ما كنت الساعة! ولم يزل باكيا وساجدا حتى فارق الدنيا سنة ثمان وستّين ومائتين.
وقال جعفر الخلدي: رأيت الجنيد بعد موته في المنام قلت: ما فعل اللّه بك يا أبا قاسم؟ فقال: طاحت تلك الإشارات وغابت تلك العبارات، ونفدت تلك العلوم وامّحت تلك الرسوم، وما بقينا إلّا على الركيعات التي كنّا نصلّيها في جوف الليل!
وينسب إليها أبو الحسن عليّ بن محمّد المزيّن الصغير. كان من المشايخ الكبار صاحب الحالات والكرامات. حكى أبو عبد اللّه بن خفيف قال: سمعت أبا الحسن بمكّة يقول: كنت في بادية تبوك فقدمت إلى بئر لأستقي منها، فزلقت رجلي فوقعت في قعر البئر فرأيت في البئر زاوية، فأصلحت موضعا وجلست عليه لئلا يفسد الماء ما عليّ من اللباس، وطابت نفسي وسكن قلبي، فبينما أنا قاعد إذا أنا بشخشخة فتأمّلت فإذا حيّة عظيمة تنزل عليّ، فراجعت نفسي فإذا نفسي ساكنة، فنزلت ولفت ذنبها عليّ وأنا هادئ السر لا أضطرب شيئا، وأخرجتني من البئر وحلّت عني ذنبها، فلا أدري الأرض ابتلعتها أم السماء رفعتها؟ فقمت ومشيت إلى حاجتي.
وحكى جعفر الخلدي: عزمت على السفر فودّعت أبا الحسن المزيّن وقلت:
زوّدني شيئا. فقال: إن ضاع شيء وأردت وجدانه أو أردت أن يجمع اللّه بينك وبين إنسان فقل: يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن اللّه لا يخلف الميعاد.
ردّ إليّ ضالّتي أو اجمع بيني وبين فلان. قال: فما دعوت في شيء إلّا استجبت. توفي بمكّة مجاورا سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة.
وينسب إليها محمّد بن إسماعيل، ويعرف بخير النسّاج، كان من أقران الثوري. عاش مائة وعشرين سنة. كان أسود عزم الحجّ. أخذه رجل على باب الحرم وقال: أنت عبدي واسمك خير! فمكث على ذلك مدّة يستعمله في