فقال أحدهما لصاحبه وهما شيخان: لا أبا لك! ما ننتظر؟! فوالله إن بقي لواحد منا من عمره إلّا ظمء حمار «١» ، إنّما نحن هامة اليوم أو غد، أفلا نأخذ أسيافنا، ثمّ نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، لعلّ الله يرزقنا شهادة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذا أسيافهما، ثمّ خرجا، حتى دخلا في الناس، ولم يعلم بهما.
فأمّا ثابت بن وقش.. فقتله المشركون، وأمّا حسيل بن جابر.. فاختلفت عليه أسياف المسلمين، فقتلوه ولا يعرفونه، فقال حذيفة: أبي والله! فقالوا: والله إن عرفناه! وصدقوا. قال حذيفة: يغفر الله لكم والله أرحم الراحمين. فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يديه، فتصدّق حذيفة بديته على المسلمين. فزاده ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرا.
وقوله:(المستشهد) بالرفع: صفة لثابت (أخوه) رفاعة بن وقش، فإنّه استشهد يوم أحد (وابناه) أي: ثابت، وهما: عمرو بن ثابت بن وقش الملقب بالأصيرم، المتقدم خبره، وسلمة بن ثابت رضي الله تعالى عنهم، ونفعنا بحبهم، (وكلّ) من المذكورين (وتد) بفتحتين، شبههم بالجبال، التي هي أوتاد الأرض، تشبيها بليغا، لشرفهم في قومهم، وفضلهم في الإسلام.
(١) مقدار ما يكون بين شربتي الحمار، وهو أقصر مسافة، وهو كناية عن قرب الأجل.