فرسا، ونزل على مجنّة من ناحية مرّ الظّهران، ثمّ بدا له الرجوع، وقال: يا معشر قريش؛ إنّه لا يصلحكم إلّا عام خصب غيداق، ترعون فيه الشجر، وتشربون فيه اللبن، وإنّ عامكم هذا عام جدب، وإنّي راجع فارجعوا، فرجع الناس، فسمّاهم أهل مكّة جيش السّويق، يقولون: إنّما خرجتم تشربون السويق.
وفاء الرسول صلّى الله عليه وسلّم بوعده:
أمّا رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فوفى بوعده، وأقام ثمانية أيام ببدر ينتظر أبا سفيان، وباعوا ما معهم من التجارة، فربحوا الدرهم درهمين، ونزل فيهم: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
قال الجلال السّيوطي: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ أي:
نعيم بن مسعود الأشجعي «١» ، إِنَّ النَّاسَ: أبا سفيان وأصحابه قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ الجموع ليستأصلوكم فَاخْشَوْهُمْ، ولا تأتوهم فَزادَهُمْ ذلك القول إِيماناً وتصديقا بالله، ويقينا.
(١) وذلك: أنّ نعيما قدم مكة فأخبر أبا سفيان بتهيّؤ المسلمين لحربهم، فأعلمه أبو سفيان: أنّه كاره الخروج، وجعل له عشرين فريضة على أن يخذل المسلمين عن المسير، فقدم نعيم المدينة وأرجف بكثرة جموع أبي سفيان، فلم يؤثر ذلك في المسلمين، فإنّهم قالوا: يا رسول الله؛ إنّ الله مظهر دينه، ومعز نبيه، وقد وعدنا القوم، ولا نحب أن نتخلف، فسر لموعدهم فمدحهم الله تعالى بوحي منزل على نبيه صلّى الله عليه وسلّم.