للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهو الأصل.

تحرّي الرسول صلّى الله عليه وسلّم عن نقض كعب للعهد:

ولمّا انتهى هذا الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى المسلمين.. بعث جماعة من أصحابه فقال: انطلقوا حتى تنظروا أحقّ ما بلغنا عن هؤلاء القوم، فإن كان حقا.. فألحنوا لي لحنا «١» حتى أعرفه، ولا تفتّوا «٢» في أعضاد الناس،


(١) اللحن: العدول بالكلام عن الوجه المعروف إلى وجه لا يعرفه إلّا صاحبه، كما أنّ اللحن الذي هو الخطأ عدول عن الصواب الذي هو معروف، وقال الجاحظ في قول مالك بن أسماء:
منطق صائب وتلحن أحيانا ... وخير الحديث ما كان لحنا
أراد اللحن الذي هو الخطأ، قد يستملح ويستطاب من الجارية الحديثة السن، وخطئ الجاحظ في هذا التأويل، وأخبر بما قاله الحجاج بن يوسف لامرأته هند بنت أسماء بن خارجة حين لحنت فأنكر عليها اللحن، فاحتجّت بقول أخيها مالك بن أسماء: (وخير الحديث ما كان لحنا) فقال لها الحجاج: لم يرد أخوك هذا، إنّما أراد الذي هو التورية والإلغاز، فسكتت، فلمّا حدث الجاحظ بهذا الحديث قال: لو كان بلغني هذا قبل أن أؤلف كتاب البيان.. ما قلت في ذلك ما قلت، فقيل: أفلا تغيره، فقال: وكيف وقد سارت به البغال الشهب، وأنجد في البلاد وغار، اهـ حكاه السهيلي. قال في «العيون» : (وتأويل الجاحظ أولى؛ لما فيه من مقابلة الصواب بالخطأ، ولعل الشاعر لو أراد المعنى الآخر.. لقال: «منطق ظاهر» ليقابل بذلك ما تقتضيه التورية واللغز من الخفاء. فكما قال الجاحظ في تأويل: «وتلحن أحيانا» ) اهـ قلت: وما قاله في «العيون» ظاهر.
(٢) بضم الفاء وشد الفوقية، قال في «الروض» : (أي: تكسروا من قوتهم وتوهنوهم، ضرب العضد مثلا، وقال: في أعضاد، ولم يقل: في أعضاء؛ لأنّه كناية عن الرعب الداخل في القلب، ولم يرد كسرا حقيقيا، ولا العضو الذي هو العضو، إنّما هو عبارة عمّا يدخل في القلب من الوهن، وهو من أفصح الكلام) اهـ

<<  <   >  >>