وقسم تاركوه، فلم يصالحوه، ولم يحاربوه، بل انتظروا ما يؤول إليه أمره وأمر أعدائه.
ثمّ من هؤلاء من كان يحب ظهوره وانتصاره في الباطن كخزاعة، ومنهم من دخل معه في الظاهر وهو مع عدوّه في الباطن؛ ليأمن الفريقين، وهؤلاء هم المنافقون.
فعامل صلى الله عليه وسلم كل طائفة من هذه الطوائف بما أمره ربه تبارك وتعالى، فصالح يهود المدينة، وكتب بينه وبينهم كتاب أمن، وكانوا ثلاث طوائف حول المدينة:
بني قينقاع، وبني النّضير، وبني قريظة، فنقض الجميع العهد، فكان من عاقبة أمرهم الوخيمة ما سيأتي إن شاء الله تعالى في موضعه.
وأمره الله سبحانه وتعالى أن يقوم لأهل العقد والصلح بعهدهم، وأن يوفّي لهم به ما استقاموا على العهد، فإن خاف منهم خيانة.. نبذ إليهم عهدهم، ولم يقاتلهم.. حتّى يعلمهم بنبذ العهد، وأمره أن يقاتل من نقض العهد.
ولما نزلت (سورة براءة) .. نزلت ببيان هذه الأقسام كلها، فأمره الله تعالى أن يقاتل عدوّه من أهل الكتاب.. حتى يعطوا الجزية، أو يدخلوا في دين الإسلام، وأمره بجهاد الكفار والمنافقين، والغلظة عليهم، فجاهد الكفار بالسيف والسّنان، والمنافقين بالحجة واللسان، وأمره فيها بالبراءة من عهود الكفار، ونبذ عهودهم.