وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، فأثابه الله بذلك جناحين «١» في الجنة يطير بهما حيث شاء، ويقال: إنّ رجلا من الروم ضربه يومئذ ضربة فقطعه بنصفين. فلمّا قتل جعفر.. أخذ اللواء عبد الله بن رواحة، وتقدم به وهو على فرسه، فجعل يستنزل نفسه، ويتردد بعض التردد، ثمّ قال:
أقسمت يا نفس لتنزلنّه ... لتنزلنّ أو لتكرهنّه
(١) وممّا ينبغي الوقوف عليه في معنى الجناحين: أنّهما ليسا كما يسبق إلى الوهم كجناحي طائر وريشه؛ لأنّ الصورة الآدمية أشرف الصور وأكملها، فالمراد بالجناحين: صفة ملكية، وقوة روحانية، أعطيها جعفر، وقد عبّر القرآن عن العضد بالجناح توسّعا في قوله تعالى لموسى: وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ وقال العلماء في أجنحة الملائكة: إنّها صفات ملكية، لا تفهم إلّا بالمعاينة؛ فقد ثبت أنّ لجبريل ست مئة جناح، ولا يعهد للطير ثلاثة أجنحة فضلا عن أكثر من ذلك، وإذا لم يثبت خبر في بيان كيفيّتها.. فنؤمن بها من غير بحث عن حقيقتها. انتهى ما قاله السهيلي في «روضه» ملخصا، ولم يسلمه الحافظ في الفتح؛ فإنّه قال: (ما جزم به في مقام المنع، والذي حكاه عن العلماء ليس صريحا في الدلالة على مدّعاه، ولا مانع من الحمل على الظاهر والحقيقة، إلّا من جهة ما ذكره من قياس الغائب على الشاهد، وهو ضعيف؛ لعدم الجامع، وما استدلّ به من كون الصورة البشرية أشرف الصور لا يمنع من حمل الخبر على ظاهره؛ لأنّ الصورة باقية كما هي، وإعطاء الجناحين له إكراما، وقد روى البيهقي في «الدلائل النبوية» من مرسل عاصم بن عمرو بن قتادة: أنّ جناحي جعفر من ياقوت، فهو صريح في ثبوتهما له حقيقة، وأنّه ليس من أجنحة الطير التي هي من ريش، وجاء في جناحي جبريل أنّهما من لؤلؤ، أخرجه ابن منده في ترجمة ورقة) من كتاب «المعرفة» له. وقد نقل هذا في «شرح المواهب» العلّامة الزرقاني، ثمّ قال عن بعض العلماء: (إنّ هذا التأويل لا يليق مثله بالإمام السهيلي، بل هو أشبه بكلام الفلاسفة والحشوية، ولا ينكر الحقيقة إلّا من ينكر وجود الملائكة؛ وقد قال تعالى: أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) اهـ