وكانت هذه الغزوة في جمادى الأولى من السنة الثانية، على رأس ستة عشر شهرا، متوجها عليه الصّلاة والسّلام (إلى عير أبي سفيان في ذهابها) أي: العير إلى الشام (للأرب) بفتح الهمزة؛ أي: لقضاء حاجتها من التجارة.
واستعمل على المدينة أبا سلمة بن عبد الأسد، وحمل اللواء- وكان أبيض- حمزة بن عبد المطلب، وخرج صلى الله عليه وسلم في خمسين ومئة أو مئتين، ممّن انتدب من مهاجري قريش، ولم يكره أحدا على الخروج، وخرجوا على ثلاثين بعيرا يتعقبونها، فوجدوا العير التي ودّوا أن يعترضوها لأبي سفيان قد مضت قبل ذلك بأيام، وهذه العير هي التي خرج إليها لما رجعت من الشام، فكانت وقعة بدر بسببها، فأقام صلى الله عليه وسلم جمادى الأولى، وليالي من جمادى الآخرة، كما في «سيرة ابن إسحاق» وأقرّه ابن كثير، ووادع فيها بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة، ثمّ رجع إلى المدينة، ولم يلق كيدا.
قال الإمام البخاري في «صحيحه» : (حدّثنا عبد الله بن محمّد، ثنا وهب، ثنا شعبة عن أبي إسحاق قال: كنت إلى جنب زيد بن أرقم، فقيل له: كم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة؟ قال: تسع عشرة، قيل: كم غزوت أنت معه؟ قال سبع عشرة، قلت: فأيّها كانت أول؟ قال:
العشيرة أو العسيرة، فذكرت لقتادة فقال: العشيرة) فهذا الحديث ظاهر في أنّ أول الغزوات العشيرة.