وقد روي عن محمد بن سيرين أنه كان يرسل غلاماً له يوم الجمعة فيجلس في مكان فاذا جاء قام الغلام وجلس فيه محمد فإن لم يكن نائباً فقام باختياره ليجلس آخر مكانه فلا بأس لأنه قوم باختيار نفسه أشبه النائب.
وأما القائم فان انتقل الى مثل مكانه الذي آثر به في القرب وسماع الخطبة فلا بأس وإلا كره له ذلك لأنه يؤثر على نفسه في الدين، ويحتمل أن لا يكره إذا كان الذي آثره من أهل الفضل لأن تقديمهم مشروع لقول النبي صلى الله عليه وسلم " ليلني منكم أولو الأحلام والنهى " ولو آثر شخصاً بمكانه فليس لغيره أن يسبقه اليه لأنه قام مقام
الجالس في استحقاق مكانه أشبه ما لو تحجر مواتاً ثم أثر به غيره، وقال ابن عقيل يجوز لأن القائم أسقط حقه بالقيام فبقي على الأصل فكان السابق اليه أحق به كمن وسع لرجل في طريق فمر غيره والصحيح الاول، ويفارق التوسعة في الطريق لأنها جعلت للمرور فيها فمن انتقل من مكان فيها لم يبق له حق يؤثر به، والمسجد جعل للإقامة فيه وكذلك لا يسقط حق المنتقل منه اذا انتقل منه لحاجة، وهذا إنما انتقل مؤثراً لغيره فأشبه النائب الذي يعينه إنسان ليجلس في موضع يحفظه له، ولو كان الجالس مملوكاً لم يكن لسيده أن يقيمه لعموم الخبر ولأن هذا ليس بمال وإنما هو حق ديني فاستوى فيه العبد وسيده كالحقوق الدينية