عليك بثمن قفيز منها صح أيضاً لأنهما لما علما جملة الصبرة علما ما ينقص من الثمن، ولو قال على أن أنقصك قفيزاً صح لأن معناه بعتك تسعة أقفزة بعشرة دراهم، وحكي عن أبي بكر أنه يصح في جميع المسائل على قياس قول أحمد لأنه يجيز الشرط ولا يصح ما قاله لأن المبيع مجهول فلا يصح بيعه بخلاف الشرط الذي لا يفضي إلى الجهالة.
وما لا تتساوى أجزاؤه كالأرض والثوب والقطيع من الغنم فيه نحو من مسائل الصبرة.
وإن قال بعتك هذه الأرض أو هذه الدار أو هذا الثوب أو هذا القطيع بألف درهم صح إذا شاهداه وإن قال بعتك نصفه أو ثلثه أو ربعه بكذا صح وإن قال بعتك من الثوب كل ذراع بدرهم أو من القطيع كل شاة بدرهم لا يصح لأنه مجهول (فصل) ويصح بيع الصبرة جزافاً مع جهل المتبايعين بقدرها لا نعلم فيه خلافاً وقد نص عليه أحمد ودل عليه حديث ابن عمر وهو قوله، كنا نشتري الطعام من الركبان جزافاً فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه متفق عليه، ولأنه معلوم بالرؤية فصح بيعه كالثياب والحيوان، ولا يضر عدم مشاهدة باطن الصبرة فإن ذلك يشق لكون الحب بعضه على بعض ولا يمكن بسطها حبة حبة، ولأن الحب تتساوى أجزاؤه في الظاهر فاكفتي برؤية ظاهره بخلاف الثوب فإن نشره لا يشق وتختلف أجزاؤه ولايحتاج إلى معرفة قدرها مع المشاهدة لأنه علم ما اشترى بأبلغ الطرق وهو
الرؤية، وكذلك لو قال بعتك نصف هذه الصبرة أو جزأ منها معلوماً لأن ما جاز بيع جملته جاز بيع بعضه كالحيوان، قال ابن عقيل ولا يصح هذا إلا أن تكون الصبرة متساوية الأجزاء، فإن كانت مختلفة مثل صبرة بقال القرية لم يصح، ويحتمل أن يصح لأنه يشتري منها جزءاً مشاعاً فيستحق من جيدها ورديئها بقسطه ولا فرق بين الأثمان والمثمنات في صحة بيعها جزافاً، وقال مالك لا يجوز في الأثمان لأن لها خطراً ولا يشق وزنها ولا عددها فأشبه الرقيق والثياب ولنا أنه معلوم بالمشاهدة أشبه المثمنات والنقرة والحلي ويبطل بذلك ما قال.
وأما الرقيق فإنه يجوز بيعهم إذا شاهدهم ولم يعدهم، وكذلك الثياب إذا شراها ورأى جميع أجزائها (فصل) فإن كان البائع يعلم قدر الصبرة لم يجز بيعها جزافاً نص عليه أحمد وهو اختيار الخرقي.
وكرهه عطاء وابن سيرين ومجاهد وعكرمة، وبه قال مالك واسحاق وروي ذلك عن طاوس، قال مالك لم يزل أهل العلم ينهون عن ذلك، وعن أحمد رحمه الله أنه مكروه غير محرم فقد روى بكر بن محمد عن أبيه عنه أنه سئل عن الرجل يبيع الطعام جزافاً وقد عرف كيله، فقلت له وإن مالكاً يقول إذا باع الطعام ولم يعلم المشتري فإن اختار أن يرده رده قال: هذا تغليظ شديد ولكن لا يعجبني إذا عرف كيله إلا أن يخبره فإن باعه فهو جائز عليه وقد أساء.
ولم ير أبو حنيفة والشافعي بذلك بأسا لأنه إذا جاز البيع مع جهلهما بمقداره فمع العلم من أحدهما أولى.
ووجه الأول ما روى الأوزاعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من عرف مبلغ شئ فلا يبيعه جزافاً حتى يبينه " قال القاضي وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الطعام مجازفة وهو يعلم كيله وأيضاً الاجماع الذي نقله مالك ولأن البائع لا يعدل إلى البيع جزافاً مع علمه بقدر الكيل إلا للتغرير ظاهراً وقد قال عليه السلام " من غشنا