ولا يجدها إلا قليلاً فيرفع في ثمنها ليحصلها فتغلو الأسعار ويحصل الأضرار بالجانبين جانب الملاك في منعهم من بيع أملاكهم، وجانب المشتري في منعه من الوصول إلى غرضه فيكون حراماً، فأما حديث عمر فقد روي فيه سعيد والشافعي أن عمر لما رجع حاسب نفسه ثم أتى حاطباً في داره فقال: أن الذي قلت لك ليس بعزيمة مني ولا قضاء وانما هو شئ أردت به الخير لأهل البلد فحيث شئت فبع كيف شئت وهذا رجوع إلى ما قلنا وما ذكروه من الضرر موجود فيما إذا باع في بيته ولا يمنع منه {مسألة}(من باع سلعة بنسيئة لم يجز أن يشتريها بأقل مما باعها إلا أن تكون قد تغيرت صفتها، وإن اشتراها أبوه أو ابنه جاز) من باع سلعة بثمن مؤجل ثم اشتراها بأقل منه نقداً لم يجز روى ذلك عن ابن عباس وعائشة والحسن وابن سيرين والشعبي والنخعي وبه قال الثوري والاوزاعي ومالك واسحاق وأصحاب الرأي وأجازه الشافعي لأنه ثمن يجوز بيعها به من غير بائعها فجاز من بائعها كما لو باعها بمثل ثمنها ولنا ما روى غندر عن شعبة عن أبي إسحاق السبيعي عن امرأته العالية بنت أيفع بن شرحبيل أنها قالت دخلت أنا وأم ولد زيد بن أرقم وامرأته على عائشة فقالت أم ولد زيد بن أرقم إني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم إلى العطاء ثم اشتريته منه بستمائة درهم فقالت لها: بئس ما شريت بئس ما اشتريت أبلغي زيد بن أرقم قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا إن يتوب.
رواه أحمد وسعيد بن منصور، والظاهر أنها لا تقول مثل هذا التغليظ وتقدم عليه إلا بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم
فجرى مجرى روايتها ذلك عنه لأن ذلك ذريعة إلى الربا فإنه يدخل السلعة ليستبيح بيع ألف بخمسمائة إلى أجل، ولذلك قال ابن عباس في مثل هذه المسألة أرى مائة بخمسين بينهما حريرة يعني خرقة حرير جعلاها في بيعهما والذرائع معتبرة، فأما إن باعها بمثل الثمن أو أكثر جاز لأنه لا يكون ذريعة وهذا إن كانت السلعة لم تنقص عن حالة البيع، فإن نقصت مثل أن هزل العبد أو نسي متاعه أو تخرق الثوب ونحوه جاز له شراؤها بما شاء لأن نقص الثمن لنقص المبيع لا للتوسل إلى الربا (فصل) فإن اشتراها بعرض أو كان بيعها الأول بعرض فاشتراها بنقد جاز ولا نعلم فيه خلافا لأن التحريم إنما كان لشبهة الربا ولا ربا بين الأثمان والعروض، فإن باعها بنقد ثم اشتراها بنقد آخر فقال أصحابنا يجوز لأنهما جنسان لا يحرم التفاضل بينهما أشبه ما لو اشتراها بعرض، وقال أبو حنيفة لا يجوز استحساناً لأنهما كالشئ الواحد في معنى الثمنية ولان ذلك يتخذ وسيلة إلى الربا فهو كما لو باعها بجنس الثمن الأول قال شيخنا وهذا أصح إن شاء الله تعالى وهذه المسألة تسمى مسألة العينة قال الشاعر: أندان أم نعتان أم ينبري لنا * فتى مثل نصل السيف ميزت مضاربة ومعنى نعتان أي نشتري عينه كما وصفنا، وقد روى أبو داود بإسناده عن ابن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " وهذا وعيد يدل على التحريم، وقد روي عن أحمد أنه قال: العينة أن يكون عند الرجل المتاع فلا يبيعه إلا بنسيئة فإن باع بنقد ونسيئة فلا بأس وقال أكره