وقد أومأ إليه أحمد وهو قول أبي حنيفة وبعض الشافعية لأنه يحتمل أن يعفو الموكل في حال غيبته فيسقط وهذا الاحتمال شبهة تمنع الاستيفاء ولأن العفو مندوب إليه فإذا حضر احتمل أن يرحمه فيعفو والأول ظاهر المذهب لأن ما جاز استيفاؤه في حضرة الموكل جاز في غيبته كالحدود وسائر الحقوق واحتمال العفو بعيد والظاهر أنه لو عفا لبعث وأعلم وكيله وبعفوه والأصل عدمه فلا يؤثر الا ترى أن قضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يحكمون في البلاد ويقيمون الحدود التي تدرأ بالشبهات مع احتمال النسخ وكذلك لا يختلط في استيفاء الحدود بإحضار الشهود مع احتمال رجوعهم عن الشهادة أو بغير اجتهاد الحاكم.
(مسألة)(ولايجوز للوكيل أن يوكل فيما يتولى مثله بنفسه إلا بإذن الموكل وعنه يجوز وكذلك الوصي والحاكم وله التوكيل فيما لا يتولى مثله بنفسه أو يعجز عنه لكثرته) وجملة ذلك أن التوكيل لا يخلو من ثلاثة أحوال (أحدها) أن ينهى الموكل وكيله عن التوكيل فلا يجوز له ذلك بغير خلاف لأن مانهاه عنه غير داخل في إذنه فلم يجزله كما لو لم يوكله (الثاني) أن يأذن له في التوكيل فيجوز له لأنه عقد أذن فيه فكان له فعله كالتصرف المأذون فيه ولا نعلم في هذا خلافاً
فإن قال وكلتك فاصنع ما شئت فله أن يوكل، وقال أصحاب الشافعي ليس له التوكيل في أحد الوجهين لأن التوكيل يقتضي تصرفاً يتولاه بنفسه فقوله اصنع ما شئت يرجع إلى ما يقتضيه التوكيل من تصرفه بنفسه ولنا أن لفظة عام فيما شاء فيدخل في عمومه التوكيل (الثالث) اطلق له الوكالة فلا يخلو من أقسام ثلاثة (أحدها) أن يكون العمل مما يترفع الوكيل عن مثله كالأعمال الدنية في حق أشراف الناس المرتفعين عن فعلها في العادة أو يعجز عن عمله لكونه لا يحسنه فإنه لا يجوز له التوكيل فيه لأنه إذا كان مما لا يعمله الوكيل عادة انصرف الإذن إلى ما جرت به العادة من الاستنابة فيه (القسم الثاني) أن يكون مما يعمله بنفسه إلا أنه يعجز عن عمله لكثرته وانتشاره فيجوز له التوكيل في عمله ايضاً لأن الوكالة اقتضت جواز التوكيل في فعل جميعه كما لو أذن فيه بلفظه، وقال القاضي عندي