مقتضاها فإن قيل فهذه الشروط لا تجتمع في أحد فكيف يجوز اشتراطها؟ قلنا ليس من شرطه أن يكون محيطاً بهذه المعلوم إحاطة تجمع أقصاها وإنما يحتاج أن يعرف من ذلك ما يتعلق بالأحكام من الكتاب والسنة ولسان العرب ولا أن يحيط بجميع الأخبار الواردة في هذا فقد كان أبو بكر الصديق وعمر ابن الخطاب خليفتا رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزيراه وخير الناس بعده في حال امامتهما يسئلان الحكم فلا يعرفان ما فيه من السنة حتى يسألا الناس فيخبرا فسئل أبو بكر عن ميراث الجدة فقال مالك في كتاب
الله شئ ولا أعلم لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً ولكن ارجعي حتى أسأل الناس ثم قام فقال أنشد الله من يعلم قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجدة فقام المغيرة بن شعبة فقال أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس وسأل عمر عن املاص المرأة فأخبره المغيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيه بفرة ولا تشترط معرفة المسائل التي عرفها المجتهدون في كتبهم فإن هذه فروع فرعها الفقهاء بعد حيازة منصب الاجتهاد فلا تكون شرطاً له وهو سابق وليس من شرط الاجتهاد في مسألة أن يكون مجتهداً في كل المسائل بل من عرف أدلة مسالة وما يتعلق بها فهو مجتهد فيها وإن جهل غيرها كمن عرف الفرائض وأصولها ليس من شرط اجتهاده فيها معرفته بالبيع ولذلك ما من أمام إلا وقد توقف في مسائل، وقيل من يجيب في كل مسألة فهو مجنون، وإذا ترك العالم لا أدري أصيبت مقاتله وحكي عن مالك أنه سئل عن أربعين مسألة فقال في ستة وثلاثين لا أدري ولم يخرجه ذلك عن كونه مجتهداً وإنما المعتبر أصول هذه الأمور وهو مجموع مدون في فروع الفقه وأصوله فمن عرف ذلك ورزق فهمه كان مجتهداً وصلح للفتيا والقضاء وبالله التوفيق.