ولنا أن الناس يختلفون في أسباب الجرح كاختلافهم في شارب يسير النبيذ فوجب أن لا يقبل بمجرد الجرح لئلا يجرحه بما لا يراه القاضي جرحاً ولأن الجرح ينقل عن الأصل فإن الأصل في المسلمين العدالة والجرح ينقل عنها فلا بد أن يعرف الناقل لئلا يعتقد نقله بما لا يراه الحاكم ناقلا وقولهم إنه يفضي إلى جرح الجارح وإيجاب الحد عليه قلنا ليس كذلك لأنه يمكنه التعريض من غير تصريح فإن قيل ففي بيان السبب هتك المجروح قنا لا بد من هتكه فإن الشهادة عليه بالفسق هتك ولكن جاز ذلك للحاجة الداعية إليه كما جازت الشهادة عليه به لإقامة الحد عليه بل ههنا أولى فإن فيه دفع الظلم عن المشهود عليه وهو حق آدمي فكان أولى بالجواز لأن هتك عرضه بسببه لأنه تعرض للشهادة مع ارتكابه ما يوجب جرحه فكان هو الهاتك لنفسه إذ كان فعله المحوج للناس إلى جرحه
فإن صرح الجارح بقذفه بالزنا فعليه الحد إن لم يأت بتمام أربعة شهداء وبه قال أبو حنيفة وقال الشافعي لا حد عليه إذا كان بلفظ الشهادة لأنه لم يقصد إدخال المعرة عليه ولنا قول الله سبحانه (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) ولأن أبا بكرة ورفيقه شهدوا على المعيرة بالزنا ولم يكمل زياد شهادته فجلدهم عمر حد القذف بمحضر من الصحابة ولم ينكره منكر فكان إجماعاً ويبطل ما ذكروه بما شهدوا عليه لإقامة الحد عليه (فصل) فإن اقام المدعي بينة أن هذين الشاهدين شهدا بذا الحق عند حاكم فردت شهادتهما لفسقهما بطلت شهادتهما لأن الشهادة إذا ردت لفسق لم تقبل مرة ثانية (فصل) ولا يقبل الجرح والتعديل من النساء وقال أبو حنيفة يقبل لأنه لا يعتبر فيه لفظ الشهادة فاشبه الرواية وأخبار الديانات