أن يقول أرقبتك هذه الدار أو هي لك حياتك على إنك إن مت قبلي عادت إلي وإن مت قبلك فهي لك ولعقبك فكأنه يقول هي لآخرنا موتاً، ولذلك سميت رقبى لأن كل واحد منهما يرقب موت صاحبه، وهما جائزان في قول أكثر أهل العلم، وحكي عن بعضهم أنها لا تصح لقول النبي صلى الله عليه وسلم " لا تعمروا ولا ترقبوا " ولنا ما روى جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " العمرى جائزة لأهلها والرقبى جائزة لأهلها " رواه أبو داود والترمذي، وقال حديث حسن، فأما النهي فإنما ورد على وجه الإعلام لهم أنكم إن أعمرتم أو أرقبتم يعد للمعمر والمرقب ولم يعد اليكم منه شئ، وسياق الحديث يدل عليه فإنه قال " فمن أعمر عمرى فهي للذي أعمرها حياً وميتاً وعقبه " ولو أريد به حقيقة النهي لم يمنع ذلك صحتها فإن النهي إنما يمنع صحة ما يفيد المنهي عنه فائدة، أما إذا كان صحة المنهي ضرراً على مرتكبه لم يمنع صحته كالطلاق في زمن الحيض، وصحة العمرى ضرر على المعمر فإن ملكه يزول بغير عوض.
إذا ثبت ذلك فإن العمرى تنقل الملك إلى المعمر، وبهذا قال جابر بن عبد الله وابن عمر وابن عباس وشريح ومجاهد وطاوس والثوري والشافعي وأصحاب الرأي، وروي ذلك عن علي، وقال مالك والليث: العمرى تمليك المنافع لا تملك بها رقبة المعمر بحال ويكون للمعمر السكنى فيه فإن مات عادت إلى المعمر وإن قال له ولعقبه كان سكناها لهم فإذا انقرضوا عادت إلى المعمر، واحتجا بما روي يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم قال سمعت مكحولاً يسأل القاسم بن محمد عن العمرى ما يقول الناس فيها فقال القاسم ما أدركت الناس إلا على شروطهم في أموالهم وما أعطوا، وقال ابراهيم الحربي عن ابن الأعرابي لم يختلف العرب في العمرى والرقبى والافقار والمنحة والعارية والكسنى والإطراق أنها على ملك أربابها ومنافعها لمن جعلت له ولأن التمليك لا يتأقت كما لو باعه إلى مدة فإذا كان لا يتأقت حمل قوله على تمليك المنافع لأنه يصح توقيته ولنا ما روى جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " امسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها